تعرفي على وفاء غنيم الباحثة والكاتبة والمدربة الفلسطينية وصاحبة كتاب فن التطريز والشاي
وفاء غنيم هي شخصية بارزة في عالم التطريز الفلسطيني والحفاظ على الثقافة، وقد نجحت في نسج تاريخ أسرتها وتراثها بعمق في رسالة حياتها. عاشت عائلتها تاريخًا من التشريد، حيث نفيت والدتها من صفد بفلسطين عام 1948، وفرت عائلة والدها من يافا أثناء الاحتلال البريطاني.
وفاء غنيم باحثة وكاتبة ومدربة فلسطينية بدأت تتعلم فن التطريز من والدتها، الفنانة الحائزة على الجوائز فريال عباسي-غنيم، عندما كانت في الثانية من عمرها. ويوثق كتابها الأول «التطريز والشاي: فن التطريز ورواية القصة في الشتات الفلسطيني» (2018) الأنماط والقصص التراثية التي نقلتها إليها والدتها. وأصبحت وفاء إثر ذلك مدربة رائدة في مجال التطريز بالمشرق العربي وتاريخ فن النسيج، كأول مدربة تطريز فلسطينية على الإطلاق في متحف سميثسونيان، وأمينة متحف الشعب الفلسطيني في واشنطن العاصمة، ومؤخرًا زميلة أبحاث كبيرة بمتحف متروبوليتان للفنون. وتواصل وفاء إرث والدتها التعليمي من خلال معهد التطريز (تطريز وشاي)، وهي مبادرة عالمية لتعليم الفنون. وبدأت عام 2016 تدريس التطريز الفلسطيني من خلال عقد دورات تدريبية، علاوة على إلقاء محاضرات في مؤسسات ومتاحف وجامعات رائدة حول العالم. وظهرت وفاء منذ ذلك الحين في وسائل إعلامية كبيرة، بما في ذلك مجلة ڤوغ التي وصفتها هي ووالدتها بـ«بحاميتي التطريز الرائدتين في العالم”. ويسلط معرض «تراث التطريز» (2023)، وهو أول معرض يقام برعايتها في متحف الشعب الفلسطيني في واشنطن العاصمة، الضوء على الفساتين الفلسطينية التراثية المتداولة في أمريكا الشمالية وأهمية الاستثمار في الشتات. ولدت وفاء ونشأت في الولايات المتحدة، وتعلمت فن التطريز الفلسطيني من والدتها فريال عباسي غنيم، التي مررت هذا التقليد عبر الأجيال.
انغمست وفاء في عالم التطريز منذ سن صغيرة، حيث كانت تساعد والدتها وتتعلم التفاصيل المعقدة للحرفة. وبالتأمل في طفولتها، تتذكر وفاء مشاركتها الأولى في هذا الفن والدروس التي تعلمتها. تقول: «تعلمت التطريز الفلسطيني من والدتي عندما كنت في الثانية من عمري». وتضيف: «لدي ذكريات جميلة جدًا عن استخدام الملاقط عندما كنت فتاة صغيرة لإزالة القماش الزائد من أعمال والدتي، وحذري الشديد واهتمامي بالتفاصيل لكي أتجنب تمزيق الغرز التي صنعتها». قطعت وفاء شوطًا كبيرًا في رحلتها إلى عالم التطريز بانتهاء أول مشروعاتها الكبرى «فستان الحدائق» و«لوحة كليوباترا». شكلت هذه الإبداعات بداية استكشافها لأعماق الفن الفلسطيني. وعن مصدر الإلهام وراء «لوحة كليوباترا»، تقول: »قصة كليوباترا شاركتها والدتي معي ونقلتها إليّ عندما كنت طفلة. لقد أحببت قصتها وكيف كانت امرأة ذات سلطة وجميلة وقوية وملكة».
تطورت مسيرة وفاء على نحو غير متوقع إلى مهنة وأصبحت مؤرخة أزياء ومعلمة بعد صدور كتابها «تطريز وشاي». وبعد أن أدركت ندرة المصادر الدقيقة في مجال التطريز الفلسطيني، شعرت أنه من الواجب عليها سد الفجوة ونشر النتائج التي توصلت إليها مع العالم. تؤكد: «لقد أصبح شعوري بالواجب والالتزام أقوى تجاه مجتمعي، وصرت أخلص وألتزم بالبحث عن إجابات لأسئلتي ومشاركتها مع العالم».
وبعيدًا عن الفن نفسه، تؤمن وفاء بقدرة الحرف والأزياء التراثية على الحفاظ على الهوية الثقافية، وخاصة بين النازحين مثل الفلسطينيين في الشتات. توضح: «توثيق وصناعة التطريز الفلسطيني هو لفتة حب لأمي وجدتي وأجدادي وطفلي». وبالمشاركة في الفنون التراثية، يمكن للأفراد الاتصال بجذورهم والتعبير عن هويتهم الثقافية حتى في مواجهة الشدائد.
وتؤكد وفاء على أهمية الاستشهاد بمصادر صحيحة، بما في ذلك المعرفة القديمة والتاريخ الشفهي، للقضاء على المعلومات المضللة وسد الفجوة المعرفية في الشتات. وبالمراجعة الشاملة، يمكن الحفاظ على المعلومات الثقافية الدقيقة للأجيال المقبلة. وقد امتد تأثير وفاء إلى أبعد من عملها. وقامت بدور محوري في إعادة الاهتمام بالتطريزات والزخارف الفلسطينية في الشتات. وعن ذلك تقول: «بمرور الزمن، سعى الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم لاستعادة تراثهم الثقافي ونقله إلى جيل الشباب». وبعملها في التعليم، أصبح الكثير من طلابها هم أنفسهم معلمين، مما أدى إلى توسيع نطاق ثورة التطريز. وفي أحدث إصدار لها بعنوان «ثوبنا»، الذي صدر يوم 30 يونيو من هذا العام، تواصل وفاء التزامها بالمقاومة باستخدام التطريز، مركزةً على روح المرأة الفلسطينية خلال الانتفاضة الأولى. وعن «ثوبنا» تقول: «كتبت «ثوبنا» في شهرين. كانت لدي رغبة داخلية متأججة ولا يمكن إيقافها لتأليف كتاب عن تطريز المقاومة. وبعد أن كنت مدرسة للعديد من الطلاب على مدى فترة طويلة، شعرت بدعوة قوية تدعوني لأطلب من طلابي تطريز ما هو أكثر من مجرد البجع والزهور. أردت منهم أن يصوروا المقاومة عبر تطريزهم. فما زلنا تحت الاحتلال ونطالب بالحرية»، وتتابع: «وينبغي أن يعكس تطريزنا هذه الدعوة، وأن نرتدي هذه الأنماط من التطريز كوسام شرف. وفي حين أن «تطريز وشاي» كان بمثابة توثيق شفوي للتاريخ، حيث دونت كل ما ذكرته والدتي… يمثل «ثوبنا» كتاب القرارات الفنية، حيث كانت الصور تتكلم أكثر من الكلمات التي دونتها. ويتضمن «ثوبنا» عديدًا من الإشارات والرسائل الخفية التي نأمل أن تلهم القراء بالطرق التي يمكننا من خلالها الإقبال على تطريز المقاومة والاحتفاء به، بروح المرأة الفلسطينية التي نظمت صفوفها سلميًا في الانتفاضة الأولى (1987-1993)».
وقصة وفاء المفضلة هي قصة العمة سعاد، رحمها الله، عندما نُفيت من صفد مع والدتي. وقد أعربت عن رغبتها في ارتداء ثوبها، الزي الفلسطيني التقليدي، في اليوم العاصف الذي فرتا فيه إلى سوريا. وكانت ترتدي ثوبًا بلله المطر تمامًا، فصار ثقيلاً للغاية أثناء سيرهما إلى الحدود السورية. واضطرت للجلوس على أجولة الدقيق في الحافلة التي نقلتها إلى الحدود، مما أدى إلى تراكم الدقيق على ثوبها. وتعد قصة العمة سعاد شهادة على حبها للثقافة وعمق قوتها النفسية التي احتفظت بها خلال النكبة عام 1948. وتتجلى جهودها الحثيثة أيضًا في تأسيسها لمعهد التطريز، الذي يهدف إلى الحفاظ على التطريز الثقافي في بلاد الشام. وتتمثل رسالة «معهد التطريز» في الحفاظ على فنون المطرزات الثقافية في بلاد الشام، بما في ذلك تراث النسيج الأردني والسوري والفلسطيني واللبناني. وبميزانيتي المحدودة للغاية، أعتقد أنني ساهمت بشكل كبير في الحفاظ على التطريز الفلسطيني، وآمل أن أواصل عملي في تراث النسيج السوري والأردني واللبناني طوال مسيرتي المهنية.
وتتطلب العديد من هذه المطرزات السفر ودراسة ميدانية من أجل إجراء الأبحاث حول هذه المواضيع وتوثيقها، وسيستغرق ذلك مني بعض الوقت، لكني أكرس نفسي لهذه الرسالة وسأواصل العمل من أجل تحقيقها طالما توفر لي التمويل.
وتؤكد وفاء في مسيرتها على أهمية الوحدة والشمولية داخل الشتات الفلسطيني. وتحث الأجيال الشابة على تقبل هويتهم كفلسطينيين، مشيرةً إلى أن تفرد كل إنسان يسهم في بناء المجتمع بأسره. وتتيح لنا مجموعة الخياطة أن نجتمع معًا كمجتمع ونبني ونبدع جماعيًا. في الماضي، كانت النساء يتعاون في استضافة مجموعات الخياطة ويعملن معًا في التطريز. وفي مثل هذا العالم المستقل المنعزل، آمل أن تذكرنا مجموعات الخياطة بضرورة الاستثمار والبناء والالتزام بقريتنا، إن أردنا أن تكون لدينا قرية. ويتطلب (تطبيق) المثل القديم «يحتاج الأمر لمجهود قرية بأكملها» ألا ننظر إلى الاختلافات باعتبارها انقسامات، وأن يراعى بعضنا بعضًا، حتى لو لم نتفق معًا تمامًا. وتذكرني مجموعات الخياطة بأننا لسنا وحدنا. ورغم ما واجهته مسيرتها من تحديات، لا تزال وفاء تتطلع لمستقبل يستطيع فيه الفلسطينيون اعتماد تراثهم والاعتراف بهم باعتبارهم أكثر من مجرد إحصاءات. ويستمر عملها في إضاءة الطريق نحو الحفاظ على الثقافة وتمكينها، مما يبرهن على أن ثورة التطريز قد بدأت للتو.
الموضوع ظهر للمرة الأولى على صفحات عدد أكتوبر من المجلة