ظافر العابدين.. مشوار نحو النجومية بعيداً عن التكرار في الأدوار
يرفض الفنان التونسي ظافر العابدين تكرار نفسه فيما يقدمه من أدوار. وبعد أن أنجز فيلمًا جديدًا يقوم فيه بدور الممثل والمخرج أيضًا، يتحدث الفنان عن أحلامه، وإصراره على النجاح، ورواية القصص العربية التي تتجاوز كل الحدود
ظل ظافر العابدين يعمل طوال الليل إلى أن انتهى من التصوير في السابعة صباحًا. بيد أنه كان هادئًا، ورصينًا، ويتمتّع بروحه الوادعة المفعمة بالتواضع خلال حديثه لحوار موضوع غلاف عدد ڤوغ العربية للرجل هذا الشهر. ويقوم الفنان حاليًا بتصوير نسخة جديدة من الفيلم الكلاسيكي “أنف وثلاث عيون” الذي صدر عام 1972 عن قصة عملاق الأدب إحسان عبد القدوس. وفيه يؤدي ظافر دور الدكتور هاشم، بطل الرواية الذي له علاقات نسائية عديدة وأصبح ممزقًا بين ثلاث نساء مختلفات تمامًا. وفي ظل وجود أساطير السينما، مثل محمود ياسين وماجدة وميرفت أمين ونجلاء فتحي على رأس الفيلم الأصلي، أصبح على الممثل وشركائه من النجوم أن يبذلوا جهدًا كبيرًا من أجل إثبات جدارتهم. يقول ضاحكًا: “لا، أنا لست قلقًا على الإطلاق”، ويردف: “أحاول ألّا أفكر في كيفية مقارنتنا بهم. الناس متحمسون بالفعل لذلك، وأريدهم أن يستمتعوا بالعمل. سأبذل قصارى جهدي بالطبع، ولكن لا يمكن إرضاء الجميع على أية حال، ولا يمكن السيطرة على رد فعل المشاهدين. القصة في الأساس هي نفسها، ولكن تم تحديث هذه النسخة، والشخصيات واقعية حتى الآن.”
ورغم مسيرته المهنية اللامعة الممتدة لعقدين من الزمان برصيد فني يتجاوز 70 عملاً بين السينما والتلفزيون، بما في ذلك “أطفال الرجال” و”شفرة داڤينشي” والجزء الثاني من “الجنس والمدينة” وغيرها العديد من الأعمال العربية، لم يكن طريق النجاح الذي قطعه النجم البالغ من العمر 50 عامًا سهلاً. وُلِدَ ظافر العابدين ونشأ في تونس، وهو الابن الرابع من بين خمسة أبناء لما يصفها بـ”العائلة السعيدة والمترابطة”. وعندما كان صبيًا، تفتّحت عيناه على عالم السينما في متجر تأجير أشرطة الفيديو الخاص بوالديه، حيث كان يجلس لساعات يشاهد الأفلام ويعيد تشغيل أشرطة الفيديو. “كنتُ أحب مشاهدة جميع أنواع أفلام الحركة – دي نيرو، وآل باتشينو، ومارلون براندو. لكن رغم أنني كنت مفتونًا بصناعة الأفلام، كنت أعتقد دائمًا أنني خجول جدًا إلى حد لا يمكنني معه التمثيل”.
جرّب ظافر، الشاب الرياضي بطبعه، ممارسة السباحة وألعاب القوى والجودو، بيد أنه وجد شغفه في كرة القدم، وأثبت أنه قوة لا يُستهان بها على أرض الملعب. وسرعان ما أصبح أحد ألمع الشباب الواعدين في تونس، حيث لعب لصالح فريق الترجي الرياضي التونسي ثم الترجي الجرجيسي في الدوري الوطني التونسي. يقول: “عندما بدأت لعب كرة القدم، تراءى لي أمر ما. أدركت أن هذا هو ما أردت فعله، ولم أنظر إلى الوراء أبدًا”. ورغم مهارته التي لا يمكن إنكارها ودوافعه الهائلة لبلوغ قمة النجاح في هذه الرياضة، كان للقدر كلمة أخرى. فعندما بلغ 25 عامًا، وبسبب إصابة في الركبة ومشكلات قانونية مع ناديه، توقفت مسيرته الكروية، وتبددت أحلامه في تحقيق نجومية عالمية في عالم كرة القدم. يقول بجدية: “لا يمر يوم دون أن أفكر في كرة القدم. مازلت ألعب متى أمكن، ومازلت أشجع الترجي وليڤربول”.
وظل ظافر في حيرة من أمره، لكن لاح في الأفق أول لقاء له مع الكاميرا، ليضعه على أول طريق التمثيل. يقول: “حصلت على وظيفة عارض في إعلان تجاري بريطاني صُوِّرَ في تونس، وسارت الأمور على ما يرام”. وبعد فترة وجيزة، التقى ظافر المخرجَ المنصف ذويب الذي شمله برعايته. وعلى مدى الأشهر الثمانية عشرة التالية، عمل مساعدًا للإنتاج ومساعد مخرج ثالث، ليكتشف بذلك خبايا صناعة السينما، بداية من القاعدة>
وفي خطوة مدركة لما قد يحمله المستقبل، حزّم ظافر في سن 27 عامًا حقائبه وتوجّه إلى لندن لدراسة الإخراج. يقول ضاحكًا: “عندما رأيت أسعار كليات الإخراج، شعرتُ أنه من الأفضل لي أن أستمر في التمثيل خلال تلك الفترة”. ومن دون مصدر للدخل ومع عدم إتقانه للغة الإنجليزية واقترابه من الثلاثينيات من عمره، أدرك خطورة خياراته. وساعده العمل الشاق على مدى عامين في مطاعم وسط لندن على توفير المال اللازم للالتحاق بكلية التمثيل. وخلال الفصل الدراسي الأخير في كلية برمنغهام للخطابة والدراما في جامعة ميدلاند، كان يكافح من أجل دفع القسط الأخير عندما نجح في تجربة أداء المسلسل الدرامي الناجح “دريم تيم” على شبكة التلفزيون البريطاني Sky One. ويبدو وكأن القدر شاء له أن يقدم أولى تجاربه التمثيلية في عمل عن كرة القدم، لتلعب سخرية القدر لعبتها معه. “من المضحك أنه في الأسبوع الذي تلقيت فيه المكالمة التي حصلت فيها على الدور، كنت قد اتصلت بالفعل بالمطعم الذي كنت أعمل فيه في لندن لأرى ما إذا كان بإمكاني استعادة وظيفتي في غسل الأطباق وتقديم الطعام على الطاولات.”
وكان هذا العمل بمثابة نقطة الانطلاق التي دفعت به نحو تحقيق نجاح عالمي. يذكر أنه أثناء التصوير أيضًا التقى زوجته المستقبلية، الممثلة والمغنية البريطانية جوان فاريل. وفيما يتحدث عن أول لقاء بينهما في موقع التصوير، تكسو البهجة صوته قائلاً: “التقينا، ورأيتها مرة أخرى في الخارج، وانسجمت علاقتنا، وهكذا بدأ الأمر”. ورغم نبرة صوته المفعمة بالحيوية، ظل متحفظًا بشأن حياته الخاصة. ويقول إن ابنتهما ياسمينا ورثت موهبة والدتها في الغناء، لكنها لم تعرب بعد عن رغبتها في دخول عالم العروض. “سأدعمها فيما قررت أن تفعله أيًا كان. وإذا أرادت أن تفعل ذلك، فسأساعدها على تحقيق أحلامها. لكن في الوقت الحالي، أنا موجود لمساعدتها على التعلم والتطور لتصبح شخصية صالحة”.
وبعد قضاء خمس سنوات في المملكة المتحدة، عاد ظافر إلى وطنه تونس ليلعب دور دالي في المسلسل الدرامي التلفزيوني “مكتوب”، وسرعان ما استحوذ على مكانته في القلوب. وساعدت عودته المفاجئة إلى الشرق الأوسط ونجاحه غير المتوقع في التلفزيون التونسي في حجز أدوار على اسمه في جميع أنحاء المنطقة. ويعزى جزء من الفضل في ذلك إلى صديقته وبنت وطنه هند صبري التي رشحت اسمه لأحد الأدوار في المسلسل الدرامي المصري “ڤيرتيجو” عام 2012. يقول: “كنت أدرك دائمًا أنني أريد أن أقدم عملاً يمثلني”، ويردف: “أردت أن أروي قصصًا عربية وأن أتحدث بلهجات ولغات جديدة”. ولأنه لا ينزعج هذا التحدي، نجح ظافر في التمثيل باللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية، وهو الآن يشق طريقه عبر أنحاء الشرق الأوسط، حيث يجيد مجموعة من اللهجات العربية، بحسب الضرورة.
ونجح الفنان الذي يهوى إجادة اللهجات، مثل العامية المصرية واللبنانية، إلى حد كبير بفضل مشاركته في عدد من الأعمال التي حققت نجاحًا تجاريًا مثل “ليالي أوجيني” و”خط دم” و”عروس بيروت”. وهو الآن يضع نصب عينيه إجادة اللهجة السعودية من خلال فيلمه المقبل “إلى ابني”. يقول: “أعتقد أنه من الصعب البدء بأي حوار لأن الأمر لا يتعلق فقط بالكلام. إذ يجب أن تبدو أصيلاً حتى عند تأدية مشاهد مفعمة بالطاقة والأحاسيس. ولا أعتقد أنني لدي موهبة خاصة في ذلك، وإنما أعتقد أن الأمر يتعلق فقط ببذل الجهد. فكلما مارست أكثر، أصبح الأمر أسهل لأنك أصبحت تفهم المنطق من ورائه”. ويعدّ هذا العمل السعودي، الذي شارك ظافر في كتابته وقام بإخراجه وأداء دور البطولة فيه، ثاني مشروع إخراجي له، وتم تصويره بصفة أساسية في أبها. ويرى الفنان أنه كلما كانت المهمة أصعب، كانت أكثر إثارة. يقول: “كل هذا جزء من رحلة تطوري. أحتاج للعثور على اتجاه جديد ومكان آخر أذهب إليه. فذلك يعزز حماسي للعمل”.
ولجلسة تصويره لغلاف هذا العدد، التُقِطَت صور الفنان في “كا ساغريدو”، وهو قصر يعود للقرن الخامس عشر وتحوّل مؤخرًا إلى فندق ومتحف فاخر يطلّ على القناة الكبرى “غراند كانال”. وهو رجل كثير الترحال والانشغال، يميل أسلوبه إلى الانسيابية واليسر. وعلى هذا النحو، يناسبه تمامًا القيام بدور سفير علامة “كارتييه” منذ عام 2021. وفي إطار التزامها المتواصل تجاه الفنون، تعد الدار الفرنسية الراعي الرئيسي والشريك الرسمي لمهرجان البندقية السينمائي، الذي يكرّم صناع الأفلام المتميّزين من جميع أنحاء العالم. كما تدعم الدارُ الصناعةَ أيضًا من خلال منح جائزة “كارتييه غلوري لصنّاع الأفلام” التي حصل عليها المخرج ويس أندرسون في مهرجان هذا العام. ويقول ظافر إنه يعتبر أن تبادل الأفكار والتعبيرات في مثل هذه المناسبات مهم وملائم على حد سواء. يقول: “كانت “كارتييه” من أكبر الداعمين للسينما منذ بداية انطلاقها، وكان أول فيلم هو فيلم “ابن الشيخ” مع رودولف ڤالنتينو، وما زالت تواصل دعمها حتى يومنا هذا من خلال مهرجان البندقية السينمائي. أستمتعُ جدًا بالعمل مع العلامة ودعم صانعي الأفلام المستقلين. إنها تجربة رائعة”.
وقد قاده حماسُه للمشاركة في النهضة الإبداعية الحديثة التي تشهدها المنطقة -فضلاً عن رغبته في رواية قصص ممتعة من المنظور العربي- لأن يتخذ موقعه خلف الكاميرا. وعلى هذا النحو، فازت أولُ تجربة لظافر العابدين في الإخراج وكتابة السيناريو، في 2021 بعنوان “غدوة”، بجائزة الاتحاد الدولي للنقّاد في مهرجان القاهرة السينمائي، وكان هذا العمل أيضًا ضمن الأفلام المختارة رسميًا في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، كما صُنِّفَ أحد أهم الأفلام في العام. ويخوض هذا العمل، الذي يصور الفترة بعد مرور عشر سنوات على الثورة التونسية، في الأوضاع الاجتماعية والسياسية، حيث يروي قصة أب مكافح وابنه المراهق مع الظلم الممنهج الذي يتعرضان له. وبفضل قوة الترابط العائلي التي ظلت موجودة دائمًا وكانت تدفعهما قُدُمًا، أهدى الفنانُ هذا العملَ لوالديه الراحلين. وهنا، عادت رحلته إلى نقطة البداية.
“كان لدينا دائمًا صناعات سينمائية مشوّقة للغاية في أنحاء العالم العربي، سواءً في مصر أو لبنان أو فلسطين أو تونس أو دول الخليج. وهي أفلام رائدة ومعبّرة جدًا عن فكرة “سينما المؤلف” على مقياس مختلف للغاية مقارنةً بالغرب، وقد أثّر ذلك على المدى الذي وصلت إليه. ولكن مؤخرًا، بتنا نشاهد أعمالاً ذات جودة أعلى. والناس مهتمة بما يحدث في السعودية والاستثمار في صناعة السينما هناك. وأعتقد أن هذا سيؤثر على صناعة السينما العربية ككل. وثمة أمور كثيرة تحدث في العالم العربي في اللحظة الراهنة. إنه أمر مثير!”. وفيما يتعلق بمستقبل السينما في العالم العربي، يحلم ظافر بتقديم عمل يتجاوز الحدود الثقافية. يضيف: “أودّ أن تحظى قصصنا ليس فقط بمشاهدة بقية العالم، بل وأن يفهمها العالم أيضًا. أن نبلغ مرحلة يستطيع فيها أي إنسان من ثقافة مختلفة أن يرتبط عاطفيًا بقصة من العالم العربي”.
وعلى عكس هالة “جاذبية القائد” التي تحيط به، يحرص ظافر على تبديد أسطورة شخصيته الجافة. يقول: “أنا شخص متحفظ بطبعي ولا أنشر في الواقع الكثير على حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي. لذلك، عندما يعرفني الآخرون على حقيقتي، يقولون: ’رائع، أنت تتمتع حقًا بروح الفكاهة!‘، وهو ما يجعلني أتساءل: ’هل تعتقدون أنني كنتُ مملاً من قبل؟‘”، يقولها ضاحكًا. إذًا، كيف يصف نفسه؟ حسنًا، حالم ومثابر ورجل عائلة يسير على درب يصعب التنبؤ به.
ويضيف: “عادةً ما يحكم عليك الناس من مظهرك. وفي هذا المجال، يعني ذلك وقوعك في دائرة التكرار. وأعتقد أن هذا من الأسباب التي تجعلني أشجّع نفسي على أداء أدوار متنوّعة بلهجات مختلفة، وأن أكتب وأخرج، كي أثبت أنني أستطيع التميُّز في تخصصات أخرى. وهذا هو تحدي هذه المهنة، أن تخرج من دائرة التكرار والنمطية.
تصوير سام روادي
تنسيق الأزياء أمين جريصاتي
محرر سوق الموضة محمد حازم رزق
تصفيف الشعر نيكول بودي
المكياج ايلينا زوسان
الإنتاج في الموقع لونا لوريتي من Magma Productions
المنتج سام إليسون