تعرفي عن قرب على النجمة اللبنانية البارعة ريتا حرب بطلة مسلسل الخائن
مرّ شهر واحد على انطلاق «الخائن» لنكتشف أهمية الدور الذي تقوم به ريتا، فهي قدّمت أداءً آسرًا، وانغمست بمهارة في الشخصية وأضفت عمقًا عاطفيا أصيلًا للدور
ريتا حرب هي إعلامية وممثلة لبنانية شهدت مسيرتها المهنية العديد من نقاط التحول، اختبرت منصات عرض الأزياء في بداياتها وتشتاق إليها كثيراً اليوم، ووقفت أمام الكاميرا في ما بعد كإعلامية عبر شاشة محطة «أوربت» ثم محطة «اليوم» ومقدمة لفعاليات كبيرة على غرار الموركس دور وحفل ملكة الجمال في لبنان وحلقة خاصة مع الفنان عبدالله رويشد؛ وكممثلة ظهرت في أعمال طُبعت في ذاكرة الجمهور. جمالها وموهبتها وخفة ظلها واجتهادها، كلها عوامل ساهمت في نجاحها وفي تربعها في قلوب المشاهدين. واليوم تطل ريتا على جمهورها عبر برنامجها «اعترافات مع ريتا» الذي يُعرض على قناة الجديد لتلقي الضوء على العلاقات الإنسانيّة والتجارب الحياتيّة لشركاء في الحياة أو المهنة، ومن خلال مسلسل «الخائن»، وتستمر في مناصرة قضايا إنسانية لطالما أثارت اهتمامها كمكافحة المخدرات ومرض سرطان الأطفال.
ترعرعت ريتا بين والديها وشقيقيها ونعمت بالحنان والمحبة من دون أن تكون تلك الطفلة المدللة، على عكس ذلك تعلمت التمييز بين الحق والباطل لتعرف كيف تتخذ بنفسها الخيار الأخير في كلّ ما يتعلق بأمور حياتها. تزوجت عن عمر صغير وأنجبت ابنتين ستيفي وميشيل. شاء القدر أن تنفصل عن زوجها وتنفرد بتربية ابنتيها مما حمّلها مسؤولية كبيرة وفرض عليها بذل بعض التضحيات في سبيل تربية البنات والسهر على نشأتهما معتمدة أسلوب والديها التربوي، وعلى وجود والدتها التي عاشت معها بعد وفاة والدها. اعتادت ريتا الاهتمام كثيراً بمحيطها الصغير وسعت دائماً لإرضائه، إلا أنها مع العمر والنضوج تعلّمت ألاّ تساوم على حساب طموحاتي ولا تضحّي على حساب سعادتها، وأدركت أن الاختلاف في الرأي لا يعني الخلاف، فالحوار كفيل بإيجاد حلول تُرضي الجميع وأنّ مسألة التبادل مهمّة في أيّ علاقة متوازنة.
دخول ريتا المجال الفني كان صنيع الصدفة، إلا أن والداها تركا لها حرية الاستمرار في هذا المجال رغم أنها كانت في السادسة عشرة فقط من عمرها. كان الأمر برمّته جديداً في العالم العربي، فعاشت نجاحاً غير مسبوق وتحوّلت إلى نجمة تحيط بها هالة من نوع خاص، قالت عنها: «كنت العارضة الأساسية لعروض إيلي صعب و زهير مراد وجورج حبيقة وجورج شقرا وغيرهم، ونجاحي معهم فتح لي باب الفوازير فوقفت إلى جانب الممثل السوري سامر المصري وقدمنا موسمين رائعين».
وكأن الكاميرا أحبّت ريتا، فإذا بها تقف أمامها كإعلامية قدّمت برامج كثيرة على قنوات متعددة ومنها «سهار بعد سهار» و«عيون بيروت» و«أزياء» من دون أن تسرقها من التمثيل فمنذ العام 2012 سجلت حضوراً ملفتاً كممثلة ولمعت في مسلسلات كثيرة كفيلم «شرعوا الحشيش» ومسلسلات كثيرة نذكر منها «عشر عبيد صغار»، «طريق»، «آخر الليل»، «من الآخر»، والمسلسل السعودي «ضرب الرمل»، «ستيليتو» وآخرها «الخائن» الذي يُعرض حالياً.
تأثرت ريتا بالشحرورة صباح وداليدا فقد تركت كل منهما بصمة ألهمتها وتعلمت منها الكثير، وأكثر ما تحبه فيهما هو شغفهما للحياة رغم الصعاب والسعادة التي كانتا تنشراها على المسرح رغم الألم والمعاناة. وقد قالت: «أتمنّى أن أحقّق حلم من أحلامي وأجسّد قصّة حياة داليدا ونجوميّتها من خلال عمل ضخم ومتكامل،» إلا أنها عرفت مبكراً أن الوصول إلى حلمها يستدعي الكثير من الجهد، فبالنسبة لها الموهبة وإن كانت العنصر الأساسيّ الذي يجب أن يتمتّع به كلّ مُمثّل وهي المُحرّك الرئيسيّ لكلّ مشهد تمثيليّ، إلا أن الخبرة والعلم يصقلان الموهبة أكثر بخاصّة للأشخاص الذين ليسوا خرّيجي معهد تمثيل، فهذا يُساعدهم أكثر فأكثر على دعم موهبتهم من خلال تعلّم أساسيّات وتقنيّات فنّ التمثيل، وفعلاً لم توفر ريتاً جهداً لتصقل موهبتها، إلى أن رسخت مكاناً لها في عالم التمثيل.
تعتقد ريتا أن نجوميتها ما هي إلا نتاج تراكم نجاحات متعددة، إلا أنها أثبتت حضورها كممثلة في مسلسل «عشرة عبيد صغار» الذي أدت فيه دوراً مركباً لشخصٍ يعاني الهستيريا تطلب منها مجهوداً كبيراً ودروس خاصة في التمثيل. وأكّدت نجوميتها أكثر فأكثر في «آخر الليل» و«طريق» والمسلسل السعودي «ضرب الرمل»، ولمع نجمها مع «ستيليتو» الذي منحها شعبية كبيرة أينما حلّت في العالم العربي، وهو من الأعمال التي لا يمكن أن تنساها لا سيما وأنها تعرضت أثناء تصويره لحادث مريع كاد يودي بحياتها، وأبت إلا أن تتحمل الآلام بعد مرور مرحلة الخطر وتكمل التصوير رغم معاناتها الجسدية.
هذا الحادث لم يكن مجرد حادث خرجت منه بإصابات خطيرة في الوجه والساق وبنزيف في الرأس وخطر جلطات دماغية. أحست ريتا بعد هذا الحادث بقيمة الحياة، وبأهمية كلّ النعم التي يحيا بها الإنسان دون أن يفقه لها كالنظر والنطق وسهولة الحركة. كانت قاب قوسين أو أدنى من الموت إلا أن دورها كأم مدها بالشجاعة وتحدت الصعاب واستثمرت كل طاقاتها لتتمكن بمساعدة الأطباء وبدعم ابنتيها والعائلة من التمسك بالحياة، تقول ريتا ورهبة معاناتها بعد الحادث تبدو على وجهها: «علّمني هذا الحادث وكلّ ما مررت به من صعاب كالطلاق ومرض والدها أنّ الوقت ثمين جداً وأنّ ثانية واحدة كفيلة بقلب الحياة رأساً على عقب. فأصبحت أعيش اللحظة من دون التخطيط للمُستقبل البعيد ومن دون تأجيل أيّ مشروع أو حلم أو حتّى تفصيل بسيط من تفاصيل الحياة اليوميّة،» وأضافت: «أنا ممتنّة اليوم لكل ما مررت به وأقدّر كلّ ما يُحيط بي فلا شيء مجانيّ في الحياة».
تطل ريتا اليوم عبر شاشة إم بي سي من خلال مسلسل «الخائن» الذي يعالج الكثير من القضايا الاجتماعية التي تطال الأسرة العربية (المرأة والرجل والأطفال)، وهو يعكس الضغوطات النفسيّة التي تؤثر على تصرّفاتنا وخطواتنا وتفاصيل حياتنا فيسلّط الضوء عليها من دون أن يقدّم الحلول، وفي هذا السياق قالت ريتا: «الحديث عن أيّ مُشكلة هي طريق غير مُباشر للتصالح معها والبحث عن الحلّ».
ترفض ريتا الحديث عن «الخائن» فقط من منظور كونه مقتبساً عن مسلسل تركي أو كونه عملاً عربياً مشتركاً. فالتقليل من شأنه كونه مقتبس عن عمل أجنبي يلغي الجهد الذي يبذله الممثل لتأدية دوره والتعب الذي ينال منه في الكواليس، وتعيب هنا مواقع التواصل الاجتماعي التي منحت الحق لأي كان أن ينتقد بطريقة جارحة متخفياً وراء أسماء مستعارة تخفي أمراضه النفسية. ومن ناحية أخرى، لا ترى ريتا في الأعمال المشتركة عيباً، فالفن لا جنسيّة له ولا ينحصر ببلد مُعيّن، بل على العكس يمنح فضاءً يستطيع الفنانون التحليق فيه والوصول إلى أبعد الحدود.
تؤكد ريتا أن تركيبة هذا المُسلسل مُختلفة عن تركيبة «ستيليتو» فهي تركيبة دراميّة بامتياز، ويحصد العمل الكثير من الأصداء الإيجابيّة وهو يُخبّئ الكثير من الأحداث المُشوّقة والتحدّيات والمشاعر المُختلفة. دور الأمّ نورا في «الخائن» قريب جداً إلى دور ريتا حرب كأم لستيفي وميشيل، فهي كمُمثلة أخذت هذه المرّة من مخزون مشاعرها الشخصيّ كأمّ لتقديم دوري بنجاح، وقد تذكرت ريتا أحد المشاهد فقالت: «أثناء تأدية أحد المشاهد شعرت بقلق حدّ الانهيار على تيا (ابنتي في العمل) تخطّى الحدود، فتدخّل المُخرج إندر أمير ليذكّرني بأنّ ابنتيّ بخير وأنني في موقع تصوير»، وتضحك قائلةً: «أندمج في بعض الأحيان في المشهد لدرجة تُتعبني وتُتعب مشاعري وحتى تغيير ملامحي وتعابير وجهي. فعندما أعود وأشاهد المشهد أضحك بيني وبين نفسي وأقول لو كانت التعابير أقلّ لكنت ظهرت بملامح أجمل».
ما إن تقرأ ريتا الورق وتطمئن مع فريق عملها إلى أنه يقدم دوراً جديداً لناحية الشخصية، تبدأ فوراً بورشة تحضيرات تشمل قراءة العمل والتحضر للدور شكلاً ومضموناً، وهنا تبدأ مرحلة القلق الشديد رغم الحماس الشديد لبدء العمل وقد أسرّت لنا أنها تعجز عن النوم في الليلة التي تسبق أوّل يوم تصوير، «فأنا بحاجة إلى بعض الوقت للتأقلم مع أيّ تجربة جديدة ومع فريق العمل والمُمثلين
وموقع التصوير».
أبدت ريتا رأياً مختلفاً بالفن، فهي لا تعتقد أنها أجبرت على تقديم تنازلات لتصل إلى النجومية، فالتنازلات إن أوصلت إلى مكان فهي توصل إلى نجومية زائفة وفارغة تفتقر إلى الموهبة. وإن كان لا بدّ من الحديث عن تنازلات في المجال الفني، تميل ريتا إلى القول إن ما قدمته لا يعلو عن تضحيات على الصعيد الشخصي والعائلي، فهي ضحّت بالكثير من الفرص كي تبقى إلى جانب أولادها لا سيما وأن الأمومة كانت ولم تزل تتصدّر قائمة أولويّاتها، في بعد الفوازير توقّفت عن التمثيل لفترة من أجل التفرّغ للاهتمام بأطفالها واكتفت بعملها في إحدى المحطات التلفزيونيّة، وقد شرحت أكثر رأيها فقالت: «الخطوط الحمراء في حياتي كفنّانة هي نفس الخطوط الحمراء الموجودة في حياتي كإنسان وكامرأة وهي احترام النفس والمساحة الخاصّة والعائلة وعدم التعرّض أو المسّ بكرامتي وكياني وقد انعكس ذلك على خيارات أدواري التمثيليّة».
مبدأ الاحترام الذي انتهجته في حياتها المهنية انسحب أيضاً ليرعى علاقتها بالزملاء من رجال ونساء في موقع العمل وتؤكد أن اتزانها واحترامها لشخصها سيفرض على الفنان الرجل أن يحترم حدوده وسيلزمه مبادلتها الاحترام. وفي هذا السياق، تطرقت ريتا إلى التصنع المشاعر المزيفة التي تطغى عليها في الكثير من الأحيان المصالح الشخصية، وقد قالت: «إنه مجال لا يرحم ولا مكان فيه للضُعفاء ونقطة التحوّل التي أشعرتني بذلك هي الحادث، فعلى الرغم من التعاطف الذي أبداه البعض لي إلاّ أنّ البعض الآخر حذفني من الخارطة». الاحترام أيضاً كان عنوانها حين تحدثت عن النقد، فهي تحترم البنّاء منه وتتعامل معه بإيجابيّة كبيرة وتأخذ بعين الإعتبار كلّ مُلاحظة هادفة، فهي تؤمن أنها مهما تطوّرت في الحياة ومهما كبر اسمها يجب أن تحافظ على تواضعها وأن تسمع للآخرين وتستفيد من كلّ نقد يهدف لمُساعدتها في المضمون الذي تقدّمه حتّى لناحية شكلها.
الموضوع ظهر للمرة الأولى على صفحات عدد شهر ديسمبر 2023 من المجلة
تصوير Lara Zankoul
تنسيق الأزياء Jony Matta
فنانة المكياج Aya Naqawah
تصفيف الشعر Moe Rida
الفيديو Manuel Alajajian