لايف ستايل

جولة مع مصمّمة الأزياء نازي بغلاري في مشغلها الخاص ومجموعة من تصاميمها


الصورة Abbie de Guzman

ولدت نازي في طهران وسط عائلة مختلطة ثقافياً، ثم انتقلت لتعيش في الولايات المتحدة عام 1979. أسست شركتها «NAZZY» في أبوظبي عام 2013

تهتم نازي منذ طفولتها بالإبداع والأزياء وتعتقد أن جميع الأطفال يتّجهون نحو الألوان والرسم والصناعات اليدوية، تقول: «تعرّفت على المنسوجات والألوان الزاهية من خلال مجموعات جدّتي من السوزاني والأقمشة. جدّتي من باكو، عاصمة أذربيجان، وجدي من تبليسي، جورجيا، ودائماً ما كانت لدينا في المنزل أقمشة وأشياء من آسيا الوسطى وأوراسيا»، وتضيف: «وعندما كنت صغيرة، تابعت دروساً في الرسم وعندما بلغت الثالثة عشر من عمري، التحقت خلال فصل الصيف على مدى عدة سنوات في معهد الفنون الجميلة L’École des Beaux-Arts في باريس. لم أستمرّ في الرسم، لكن حبّي للألوان والأقمشة بقي ملازماً لي» .

بدايات نازي كانت في رحلة إلى آسيا الوسطى في عام 2012، حين اكتشفت مراحل إنتاج النسيج المحبوك يدوياً. كانت لحظة مؤثرة بالنسبة لها، ليس فقط بسبب جمال العمل، ولكن أيضاً لأنها ذكّرتها بمجموعة جدّتها في منزلها في طهران، تشرح: «في تلك الرحلة، اشتريت الكثير من الأقمشة حتى اضطررت لشراء حقيبة إضافية. وعند عودتي إلى المنزل، قمت بتصميم بعض الفساتين لنفسي. ورأت رئيسة معرض أبو ظبي للفنّ أحدها وطلبته، كما دعتني لعرض تصاميمي في المعرض، وكانت تلك البداية. لذلك أطلق على نفسي لقب مصممة عن طريق الصدفة»، أصبحت اليوم تلتقي في حفلات العشاء بأشخاص مهمين على غرار مارتن سكورسيزي، فيسألها إن جلبت معها أيّاً من معاطف إيكات المخملية، ويرتدي فوراً ما تعرضه عليه!

الصورة Abbie de Guzman

لا تعتبر نازي اليوم نفسها سيدة أعمال، إلا أنها تعرف شيئًا واحدًا: «ستظل علامتي صغيرة الحجم، كبيرة الجودة»، على حدّ قولها. وقولها هذا ليس إلا ثمرة جهدٍ مضنٍ، فهي تشارك في تصميم وإنتاج الأزياء من الألف إلى الياء، من البحث إلى العثور على القماش ووصولاً إلى تقديم المنتج النهائي للعميل. ولا تفارق المتعة مراحل هذه الرحلة، فإيجاد المصدر الصحيح للأقمشة يشبه البحث عن المصدر الصحيح لقصّة إخبارية. وفي هذا السياق، اعتمدت نازي على تدريبها الصحفي للعثور على حائكين مبدعين، وعلى التوصيات الشفهية. بهذه الطريقة على سبيل المثال، سمعت نازي عن حائك ماهر في اليونسكو في آسيا الوسطى. وبالاعتماد على البحث الصحفي، تمكنت من العثور على عائلة هندية هي الوحيدة في الهند التي تحبك الإيكات (النسيج المحبوك يدوياً) المزدوج منذ القرن الحادي عشر. حين التقت بأفراد هذه العائلة تعرّفت إلى أصول صناعة الإيكات المزدوجة ومدى اختلافها عن صناعة الإيكات الفردية، وشعرت بشغف العائلة بصنع الجمال والفنّ القيّم. رحلتها هذه علمتها أن ثمّة أسلوب معيّن لارتداء النسيج التراثي بشكل صحيح. فإذا ارتديت إيكات من الرأس إلى أخمص القدمين أو النسيج الهندي الملوّن، فسيبدو ذلك مثل أزياء فرق الرقص الشعبية. وتستطرد نازي أكثر في الحديث عن عمق أثر هذه الرحلة في حديثها، أثر تلمسه حين أسلوب نازي عمل في رسم تصاميمها فريد، فهي تجمع بين الجماليات الأوروبية أو اليابانية مع تلك الموجودة في آسيا الوسطى لإرساء توازن معيّن وجعل هذا النسيج القديم أكثر حداثة. أسلوب عمل نازي أقرب إلى الفنّ منه إلى تصميم الأزياء، وهي تقول: «أشعر بحبّ واحترام عميقين لأسلوب الإيكات. فمعاطفي وقفاطيني ليست من تصميمي حقاً، بل هي الإيكات نفسها التي توحي لي بما تريد أن تكون عليه. وعملي هو بمثابة تكريم لنسّاجي الإيكات الذين حافظوا على هذا التقليد منذ القرن الثاني عشر». وأسلوبها الشخصي هو «كوم دي غارسون بأقمشة دوشانبه» أو «ميوتشيا برادا بأقمشة عبد الله جان» (أحد أمهر النسّاجين في آسيا الوسطى). كما أنها تراعي أصول التميّز كذلك في طرح تصاميمها، فهي لا تكرّر التصاميم وتقدّم قطعة فريدة من نوعها من كلّ معطف أو فستان يفخر العميل أن يكرر ارتداءها إدراكاً منه أنها في كلّ مرة ستبدو مختلفة ومتوهجة، كالعباءة الكشميرية المحبوكة يدوياً بلون الرمل والمطرّزة بأشكال نحل العسل التي تمايلت بها إيزابيلا روسيليني على سجادة مهرجان كان السينمائي عام 2015، وارتدتها مرّة أخرى عندما كُرِّمت بجائزة إنجاز العمر في مهرجان روما السينمائي. تتجنب نازي كذلك تقديم «مجموعات موسمية» كما هو متعارف عليه في قطاع الأزياء بشكل مسرِف، ولا تتبع اتجاهات التصميم والألوان الرائجة.

الصورة Abbie de Guzman

النسيج هو مصدر إلهام نازي، وليس اتجاهات المبيعات اليومية، فالنسيج هو النجم وهي الممثل المساعد. كما أن الطبيعة معلّم ممتاز من حيث الأشكال ولوحة الألوان، وبيئة عملها معبّرة جداً عن شخصيّتها وعلامتها التجارية. فقد صمّمت كلّ الأثاث المنجّد، والجدران مطلية بألوان تشكّل بيئة هادئة وجميلة نستطيع جميعاً العمل فيها بسلام، فالعمل بالنسبة لها ليس مجرّد وظيفة، بل هو إبداع جماعي.

ومع انتشار الذكاء الاصطناعي، تشعر نازي أحيانًا أن الروح قد سُلِبت من الموضة» لذلك ثمة جهود جبارة لإعادة المجد لليد البشرية، وهذا ما نلاحظه في الهند واليابان حيث يقضي النسّاجون ساعات على النول والصبّاغون يخلطون ويصبغون الأقمشة بأيديهم، وهم يمارسون اليوغا أو التأمّل، لأن عملهم الشاق يتطلب صبراً وتركيزاً كبيرين، وهذا حقاً عمل لا يُقدّر بثمن أساسه العاطفة والهوية والمهارة والشغف الذي ينتقل من جيل إلى آخر نتاجه تطريزات جميلة تحمل تقاليد العائلات.

الصورة Abbie de Guzman

تحظى تصاميم نازي بتقدير الناس من جميع أنحاء العالم، وهي مناسبة للجنسين، يمكن للجميع ارتداؤها، وعن المرأة التي ترتدي من تصاميمها تقول: «امرأة تقدّر البساطة الجمالية اليابانية والمبالغة في ثقافة آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا بألوانها الزاهية وأنماطها الدرامية. إنها شخص ينفر من زخرفة الشعارات ويقدّر الفرادة والراحة، امرأة لا تخاف من الألوان أو من تجربة أسلوب مختلف». وتؤكّد: «إذا لم أكن قادرة على ارتداء ما أصمّمه، فلن أصنعه».

شاركت نازي هذا العام في معرض «آسيا ناو» الفني الذي أقيم في باريس وعن هذا تقول: «شعرت بكثير من التقدير حين اختارني منظّمو المعرض هذا العام، وهي الجماعة التي تتخذ من برلين مقرًا لها وتعرف باسم Slavs and Tatars، دعوني لأكون جزءًا من هذا المعرض الجماعي مع أربعة عشر فنانًا آخر، أغلبهم نساء من آسيا الوسطى يستخدمن النسيج أو الألياف في أعمالهن الفنية». اختارت نازي 16 من أعمالها لتقديمها كتركيبة فنية وكانت الأقمشة التي استوردتها في الغالب من آسيا الوسطى، الهند واليابان. المعاطف كانت كلها قابلة للارتداء على الوجهين وتمثل نهجًا مختلفًا وجماليات نسج الإيكات. وعلى سبيل المثال، صنع جانب واحد من إيكات مخملي بأنماط مبالغ فيها، بينما الجانب الآخر هو إيكات هندي أو ياباني بأنماط صغيرة ومعقدة. عُلِّقَت أعمالها بين الأعمدة العملاقة تحت قبّة هائلة في مبنى La Monnaie، مقرّ سكّ العملة الفرنسي التاريخي. بدا وكأن المعاطف تتساقط من السماء وكان الزوار ملمين بالموضوع وفضوليين، وقدد دُعيت للمشاركة في نقاش من قبل جمعية آسيا في باريس.

الصورة Abbie de Guzman

الموضوع ظهر للمرة الأولى على صفحات المجلة عدد  شهر ديسمبر 2023 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى