المخرجتان نور وزي ونايلة الخاجة يمهدان الطريق أمام كل امرأة شغوفة بالإخراج
نور ونايلة امرأتان فتحتا باباً واسعاً لكل امرأة شغوفة بالإخراج لتوصل صوتها ورؤيتها إلى الجمهور المحلي والعالمي على حدٍ سواء.
تُعد نايلة الخاجة المخرجة الإماراتية والعربية الوحيدة التي تشارك هذا العام في مهرجان البحر الأحمر السينمائي من خلال فيلم Three «ثلاثة» وهو فيلم رعب نفسي شارك في كتابته بن وليامز وشارك في أداء إحدى شخصياته البريطاني جيفرسون هول والمعروف بأدواره الرائعة في أفلام مثل «بيت التنين» و«هالوين»، وفيلم كريستوفر نولان القادم «أوبنهايمر».
عملت نايلة بكل شغف في مشروع فيلم «ثلاثة»، وواجهت تحديات وحققت نجاحات، وتتحدث بفخرٍ عن هذا العمل كونه جمعها بممثلين موهوبين، وفريق متفان، ومنتجين داعمين آمنوا بإنجاز هذه الرؤية، فتقول: «تكمن أهمية فيلم «ثلاثة» في تقديمه لرحلتي في الرواية القصصية والسرد الثقافي. إن تناول مشكلة الصحة النفسية أمر بالغ الأهمية، وخاصة في ظل المناخ العالمي الراهن». وتشير نايلة إلى أن أهمية الفيلم تنبع أولاً من موضوعه وثانياً من كونه الفيلم الروائي الوحيد الطويل لمخرجة إماراتية وفاتحة خير تمهد السبيل أمام المخرجات الشابات الحالمات بانتشار السينما الإماراتية عالميًا. دخلت نايلة عالم الإخراج السينمائي انطلاقاً من شغفها العميق لسرد القصص من خلال العدسة السينمائية. وقد شجعتها شاهدة قوة الأفلام في تشكيل الروايات والتأثير على وجهات النظر على الشروع في هذه الرحلة الإبداعية، ومع خوضها غمار المجال انتبهت أن صناعة الأفلام يغذّيها الالتزام بمعالجة القضايا الاجتماعية، وقد لخصت عملها في الإخراج قائلة: «دخولي في مجال الإخراج السينمائي هو شهادة على الإمكانات التحويلية لسرد القصص ضمن النسيج الغني للمشهد السينمائي العربي».
ومصادر الإلهام التي أثرت مسيرة نايلة وأغنتها كثيرة، فهي تستمد الإلهام من شغفها العميق بالسرد السينمائي، ومن التزامها بالقضايا الاجتماعية والسرديات الثقافية، وقد تأثرت بمخرجين مثل إسماعيل فروخي وكريم ترايديا من خلال نهجهم الأولي والواقعي المرتبط بشكل وثيق بالحياة وشديد التأثر بالمشاعر.
تغوص نايلة أكثر في الحديث عن أعمالها فتؤكد أن مشوارها عبارة عن رحلة استكشاف مستمرة للسرديات والرؤى الثقافية لذلك تتعمق دائمًا في موضوعات تتعلق بالقضايا الاجتماعية وهي تحرص على الدوام من خلال السرد القصصي على تقديم عملٍ يترك أثرًا هادفاً، يثير الفكر ويحث على التعاطف وتعزيز فهم أعمق للقضايا الاجتماعية، وتسليط الضوء على الديناميكيات المجتمعية
وكمخرجة في عالم السينما العربية، تتقبل نايلة التحديات كفرص للتغيير وتسعى على الدوام لتحطيم الحواجز واختيار السرديات التي ترفع أصوات لا تُمثّل تمثيلاً كافيًا مما يساهم في خلق مشهد سينمائي أشمل، كما تحرص من خلال السرد لقصصي إلى إلهام الآخرين، وتمهيد الطريق لجيل جديد من المخرجات، وتشجيع التنوع والتمكين.
كأي امرأة واجهت نايلة بعض التحديات، فهي تقول: «تميزت رحلتي بتحديات فريدة تجاوزتها بمرونة. تتنوع التحديات التي واجهتها كمخرجة في الصناعة العربية، بدءًا من الصور النمطية وحتى التمثيل المحدود. ومع ذلك، فإن نهجي يتضمن قبول هذه التحديات كفرص للتغيير». وتؤكد نايلة أن كلّ ما واجهته من تحديات كان بمثابة حافز شجعها على اختيار موضوعات تناهض التوقعات المسبقة وتروج للشمولية.
وتتحدث نايلة عن صناعة الأفلام في العالم العربي، فتقول إن المساعي في هذا المجال اتخذت بعدًا مميزًا. فمعالجة القضايا الاجتماعية واختيار المواضيع التي تتوافق مع الديناميكيات المجتمعية لم تصبح مجرد مسعى إبداعي فحسب، بل أصبحت أيضًا وسيلة للتغلب على التحديات المتعلقة بالجنسين. «ثلاثة»، وهو مظهر من مظاهر روايتي الثقافية، يعكس هذا الالتزام. وتضيف أن السينما تؤدي دورًا محوريًا في تعزيز التفاهم الثقافي وسد الفجوة بين مختلف المجتمعات. وتسهم أفلام العالم العربي في تحطيم القيود الثقافية على الساحة العالمية. ومن خلال رواية القصص، تستطيع صانعات الأفلام تسليط الضوء على التجارب الإنسانية المشتركة، مع التركيز على القواسم التي يشترك فيها الجميع. والتزامي يكمن في الإسهام في قدرة السينما على إحداث تغيير، عبر توظيف رواية القصص كجسر يصل بين المجتمعات المتنوعة.
وتعتقد نايلة أن الإبحار في الساحة السينمائية المتطورة يتطلب تقبل الطابع دائم التغير للسرد القصصي. ويعد فيلم «ثلاثة»، الذي استخدمت فيه تقنية Camb للذكاء الاصطناعي، أول فيلم عربي مُدبلج بالذكاء الاصطناعي إلى 120 لغة، ليصل إلى شريحة سكانية أكبر في جميع أنحاء العالم. إن الاستمرار في الابتكار يتطلب استكشاف أساليب سردية جديدة، وتقنيات سينمائية، وعناصر موضوعية تسهم في التحول المستمر للمشهد السينمائي العربي.
وتعتقد نايلة أن دعم المخرجات وتعزيزهن يتطلب البحث بنشاط عن أعمالهن وعرضها، وتوفير منصات لسماع أصواتهن، وأشارت إلى أن أهمية المبادرات التي تقدم الإرشاد وفرص التواصل والدعم المالي المصممة خصيصًا لصانعي الأفلام في إحدات تأثير كبير، وإلى ضرورة فإن تعزيز ثقافة الشمولية في عمليات صنع القرار داخل الصناعة لفتح المجال أمام ظهور روايات أكثر تنوعًا.
وكنصيحة لصانعات الأفلام الطموحات، أكدت نايلة على أهمية المثابرة وتبني المنظور الفريد الذي يجلبنه إلى رواية القصص، وطلبت منهن البحث عن الإرشاد، وبناء شبكة داعمة، وتحدي التقاليد، واحتضان التحديات باعتبارها فرصًا للنمو، وقالت: «دعي شغفك بسرد القصص يدفعك إلى الأمام. من خلال تضخيم صوتك والبقاء صادقة مع رؤيتك، أنت لا تساهمين في نجاحك فحسب، بل أيضًا في التحول الأوسع للصناعة». تعمل نايلة حالياً على فيلم بعنوان «باب» تولى موسيقاه التصويرية الموسيقار إيه آر رحمان الفائز بجائزة الأوسكار مرتين، وهو فيلم يجول بين الواقع والفنتازيا، فيخوض في موضوعات تشمل الحزن وفقدان [الأحباب] في رأس الخيمة في زمننا المعاصر. وبينما رسّخ مهرجان البحر الأحمر السينمائي اسم نايلة، كان لمنصة نتفليكس الفضل في النجاح الذي حققته نور وزي. فبالنسبة للمخرجة اللبنانية سرت الأمور بوتيرة سريعة، فجأة لاقى العرض الذي قدمته لـ«نتفليكس» عن فيلم الإثارة الاستحسان، فوجدت نفسها أمام مهمةٍ تصوير لا تتعدى مهلة تنفيذها ثلاثة أشهر، فانكبت على العمل مع الكاتب روان جوفي (كاتب سيناريو فيلم «بعد 28 أسبوعًا») لتأليف قصة جذابة ومؤثرة قدر الإمكان، وفي الوقت نفسه على جمع أشخاص يفهمون العمل ورؤيتها السينمائية القوطية المستوحاة من التسعينيات.
تقدم نور وزي فيلم «لوكد إن» الذي يعود بالزمن إلى الوراء ليكتشف من حاول قتل امرأة وجدت نفسها داخل مستشفى عاجزة تمامًا عن الحركة بعد أن بلغت من القوة مبلغاً مهماً، ضمن إطار تبدو فيه جميع الشخصيات حبيسة داخل جدران سجنها الخاص – من الصدمات، وانعدام الثقة، والألم، والشعور بالذنب، والهوس، والخوف، والوحدة، والرغبة. الرابط بين حياة نور وهذا الفيلم وثيق، فخلف الغموض والتوتر والخيانات والرومانسية تكمن قصة امرأتين – ابنة تتوق لحب أمها وأم لا تستطيع تجاهل مخاوفها ورغباتها، وقد شرحت نور قائلةً: «كانت علاقتي بوالدتي صعبة خلال نشأتي، وكانت هي أيضًا تعاني من صدمات الماضي، لذا شعرت على الفور بارتباطي بجوهر هذه القصة المثيرة».
ونور مخرجة لبنانية حازت العديد من الجوائز تتمتع بخبرة تزيد عن 15 عاماً في مجال الإخراج وقد تعاونت مع أسماء كبيرة لتقديم أفلام مهمة على غرار «Waste Land» الذي رُشّح للأوسكار والفائز بمهرجان صندانس وبرليناله، وعملت عن قرب مع مخرجين في المملكة المتحدة من أمثال Gareth Edwards وفي عروض مثل His Dark Materials – الطموحة لعوالم ملحمية، وهي أول امرأة وأول مخرجة عربية تحصل على تصريح من نتفليكس للأعمال الأصلية في بريطانيا. لم يكن مشوار نور سهلاً فقد قضت سنوات طويلة تحطّم العقبات، إذ قلّما تعمل نساء من خلفيات متنوعة في مجال السرد القصصي النوعي، لذا ينتابها الفخر في كلّ مرة تفكّر في فيلم «لوكد إن»، وتشعر بالامتنان لـ«نتفليكس» لأنها منحتها فرصة تحقيق هذا الإنجاز – وأتاحت لها رد الجميل وإرشاد تسع مخرجات ناشئات من خلفيات متنوعة في برنامج تدريبي مدفوع الأجر طوال مدة هذا الفيلم. مصادر الإلهام في حياة نور المهنية كثيرة. فهي تستمد الإلهام من كل مخرج تعاونت معه ومن كل فيلم شاركت في صناعته، وهي تقول: «أثّر مخرجون كثيرون على أسلوبي في الإخراج، مثل ديڤيد فينشر، وستيڤن سبيلبرغ، وكريستوفر نولان، وجوردان بيل، ودينيس ڤيلنوڤ».
وإذ تأسف نور لقلة المخرجات العربيات على الساحة العالمية، وتتمنى أن يتغير المشهد قريباً، تذكر بشغفٍ خاص الكاتبة والمخرجة والممثلة الفلسطينية الأمريكية شيرين دعيبس، فقد ألهمتها هذه المخرجة ليس من ناحية أسلوبها السهل في تناول الشخصيات العربية الغربية في أفلامها الطويلة فقط، بل أيضًا في النجاح الذي حققته في إخراج المسلسلات التلفزيونية الرائعة مثل «أوزارك» و«الآثم» و«رامي» وExtrapolations على سبيل المثال لا الحصر.
ولم تتمكن نور من إخفاء إعجابها الكبير بشخصية آڤا دوڤيرناي القوية، فهي بالنسبة لها مصدر إلهام عظيم ليس في سردها القصصي المثير فقط، وإنما في دعوتها للتحرك واتخاذ الإجراءات – فهي من أولئك الذين لا ينتظرون التغيير بل يصنعونه بأيديهم. ابتعدت نور عن صناعة السينما العربية حتى أنها فقدت الانتماء لها لذا لا تجد نفسها مؤهلة لتقييم وضع السينما في العالم العربي أو لتقديم النصائح، إلا أنها تعتقد أنه يتعين على صناعة السينما أن تعطي الأولوية لتمثيل الناس بمختلف الأدوار، وليس فقط المخرجين، بدءًا من التعليم وحتى توفير فرص التوجيه والتدريب مدفوعة الأجر. وفي هذا السياق ذكرت نور أن مؤسسة الدوحة للأفلام الرائعة كانت الداعم الوحيد لها فقد ساعدتها على تقديم تمويل لفيلم قصير من نوعية أفلام الإثارة Baby Mine الهادف للتصدي للصور النمطية، من بطولة الفنان المصري السوداني الموهوب ألكسندر صديق. وبأسى واضح عبّرت نور عن أسفها لتوقيف مهرجان دبي السينمائي الدولي، فبرأيها كان هذا المهرجان فعالية رائعة للمنطقة تقدّم لصانعي الأفلام فرصة الانفتاح على العالم.
وانطلاقاً من تجربتها ومشوارها نصحت نور المخرجات الطموحات بالبحث عن منظومة تدعمهن وبالاستمرار في صناعة المحتوى وصقل مهاراتهن وقد قالت: «هذه الصناعة ليست لضعيفات القلوب، فهي تستلزم مثابرة لا تتزعزع، وتضحية، ودافعًا لتتمكني من ردع كل إحباط وقلة احترام»، وأضافت: «اختاري معاركك وثابري وستجنين الثمار في النهاية وعندما تحظين بفرصتك، ردي الجميل وألهمي الجيل المقبل».
بحماس كبير تتحدث نور عن عملها المقبل الذي تأمل أن يجمع بين المواهب البريطانية والعربية والأمريكية ضمن إطارٍ من التشويق والإثارة وقد قالت: «يعتريني حماس شديد لصناعة مسلسل خيال علمي كنت قد كتبته العام الماضي تقوم بدور البطولة فيه ممثلة لبنانية ويستقي أحداثه، التي تقع في بيروت، من الأساطير العربية، وعلم الكم، والرومانسية، والدراما العائلية المرحة، والسياسة، والجرعات العالية من الحركة»، وأضافت: «إنه طموح للغاية وفريد من نوعه، لكني أود أن أتمكن من تقديم عرض عالمي ثنائي اللغة تقع أحداثه في العالم العربي! وأقر بأن التحدي كبير كي تنجح أعمالي التي تكون فيها البطولة عربية، ولكن إذا صدق العزم وجد السبيل!»
الموضوع ظهرللمرة الأولى على صفحات عدد يناير 2024 من المجلة