كيف حاربت مريم مونتاغ ذات الأصول الإيرانية زواج الأطفال في المغرب؟
كثيرة هي الجهات في مختلف أنحاء العالم العربي التي أخذت على عاتقها محاربة زواج الأطفال، إلا أن جهودها وإن جنت ثمارها في بعض الدول، إلا أنها لا تزال تحتاج إلى مزيد من الدفع في دولٍ أخرى على غرار المغرب
تشير الإحصاءات إلى أن 14% من الفتيات يتزوجن في سن الطفولة بالمغرب، وأنه تمّ تسجيل 27623 طلب زواج أطفال بالمحاكم المغربية ثلثها في مناطق حضرية و88% منها تمت بموجب تصريح صدر دون طلب المحكمة لمساعدة الأخصائي الاجتماعي. كما تبيّن الأرقام أن 22% من القاصرات ممن أُجريت معهن مقابلات تعرضن على الأقل لشكل واحد من أشكال العنف من الزوج و/أو عائلته، وأن 82% من القاصرات أنجبن طفلاً خلال السنوات الأولى من الزواج، فيما أنجب أغلبهن ما بين مرة إلى ثلاث مرات قبل سن 18 عامًا.
حدت هذه الأرقام المخيفة بمريم مونتاغ لحمل لواء مكافحة زواج الأطفال في المغرب وتوعية الأطفال وأهاليهم حول مخاطر الزواج المبكر. ولدت مريم مونتاغ في مصر وهي من أصول إيرانية، متزوجة من مهندس معماري، وهي أيضًا مالكة فندق Peacock Pavilions، وهو فندق بوتيكي يقع على مشارف مراكش، وقد طرحت كتاب، مراكش بالتصميم، بيع منه أكثر من 15 ألف نسخة. برهنت من مواقعها كزميلة في أشوكا ومتحدثة في TEDx وصانعة تغيير في CNN Africa عن شغف كبير بحقوق النساء والفتيات، وهذا ما دفعها إلى تأسيس مشروع سوار، وهي منظمة نسوية لتمكين الفتيات المراهقات والتي عملت مع آلاف الفتيات في 92 موقعًا في المغرب، بالإضافة إلى الفتيات المراهقات النازحات داخليًا في شمال غرب سوريا. تعمل مريم كذلك على منهج Project Soar وهو منهج حائز عدة جوائز والذي يتكون من 25 ورشة عمل باللغة العربية على إبقاء الفتيات المراهقات المستضعفات في المدرسة وحمايتهن من زواج القاصرات. علاوةً على ذلك، تشارك مريم في مشروع Soar وقد تمت دعوة المستفيدين منه إلى البيت الأبيض وظهرت المنظمة في فيلم We Will Rise، وهو الفيلم الوثائقي الذي أعدته ميشيل أوباما على شبكة CNN والحائز عدة جوائز. في أغسطس 2018، ظهرت مريم على صفحات صحيفة نيويورك تايمز كواحدة من الأشخاص الذين «يغيرون العالم من حولهم».
في محاولة لسرد أسباب الزواج المبكر، تقول مريم إن لزواج الأطفال أسباب كثيرة، وهو غالبًا ما يكون نتاج عوامل مختلفة تعرض الفتيات المراهقات للخطر. وعلى الصعيد العالمي، لا تزال العادات الضارة المتعلقة بنوع الجنس قائمة، ومع تفشي العنف ضد النساء والفتيات – فإن امرأة من كل 3 نساء تقريبًا تصبح ضحية للعنف القائم على نوع الجنس في حياتها (البنك الدولي). وتشير مريم أن الفتيات المراهقات المهمشات المقيمات في المناطق المحرومة من الخدمات يفتقرن إلى المعرفة والمهارات اللازمة للمقاومة. وتزيد الدورة الشهرية من الصعوبات، إذ تمنعهن من الذهاب إلى المدرسة لعدم قدرتهن على تحمل تكاليف منتجات الدورة الشهرية، مما يفاقهم خطر زواج الأطفال، وخاصة في مناطق مثل المغرب، حيث تتزوج فتاة واحدة من كل 7 فتيات قبل سن 18 عامًا (فتيات لسن عرائس). بالإضافة إلى ذلك، يدفع الخوف على سلامة البنات والفقر والأعراف الثقافية الآباء إلى الإسراع بزواج بناتهن غير آبهين بالخطر المتمثل في التسرب من التعليم والزواج القسري والأمومة المبكرة والعنف الجنساني.
لمواجهة هذا الواقع، أسست مريم مبادرة القضاء على زواج الأطفال والتسرب من التعليم في المغرب، وقد أوضحت أنهم يتعاملون في إطار هذه المبادرة مع مشكلة زواج الأطفال باستراتيجية شاملة. فعلى الصعيد المحلي، يقدمون برنامج قيادة يعمل على تمكين الفتيات المراهقات من مناهضة زواج الأطفال. وعلى الصعيد الوطني، يقودون حركة «أكبر» (BIGGER)، ويمارسون ضغوطًا من أجل سد الثغرات القانونية. كما تتعاون فتيات مدربات من مشروع «تحليق» (Soar)، من بينهن 9 شاركن في الوفد الأخير، مع الأطراف المعنية الرئيسية، ما أسفر عن عقد جلسة استماع خاصة مع اللجنة الحكومية المختلطة المعنية بإصلاح مدونة الأسرة. وفي خطوة مهمة، تم التوقيع على اتفاقية بروتوكول وطني مدتها ثلاث سنوات مع الوزيرة عواطف حيار كجزء من مشروع «الجسر»، بهدف رفع مستوى الوعي الأسري وتغيير الاتجاهات الثقافية. ويمثل هذا التعاون إنجازًا كبيرًا ضمن جهودهم المستمرة للقضاء على مشكلة زواج الأطفال في المغرب.
وقد أوردت مريم تفاصيل عن نشأة هذه المبادرة فقالت: «بعد تعاوني مع الوزارة وقيادتي لـ«حركة أكبر»، أصبح مشروع «تحليق»، الذي انطلق بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة الرئيسية، يمثل شريكًا طبيعيًا في استراتيجية الوزارة لمحاربة زواج الأطفال في المغرب». تؤكد مريم أن الوزارة تقدمّ لمشروع «تحليق» الدعم المعنوي والمالي على حد سواء من أجل محاربة زواج الأطفال، وأن الحكومة تقيم الدعم من أجل القضاء على مشكلة زواج الأطفال وتدعم أيضاً مشروع «الجسر» الذي كان له تأثير كبير على المستوى المحلي، وسيكون له فائدته عند تنفيذ المشروع.
تتشارك مريم أيضاً مع جماعة الويدان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة فيديرون مشروعًا تجريبيًا باسم «أجيال المساواة – أكبر الويدان» بالشراكة مع «إكسبرتيز فرانس» والوكالة الفرنسية للتنمية. وتهدف هذه المبادرة إلى مكافحة العنف الجنسي وزواج الأطفال في جماعة الويدان، ما يجعلها نموذجًا للجهود المماثلة. ويقدم مشروع «تحليق» للفتيات مشاركة فاعلة، حيث يجري حوارات داخل المدارس، ويتواصل مع الأطراف الرئيسية المعنية في المجتمع، كما ينظم عروضًا مسرحية نسوية تحارب زواج الأطفال. وقد أعلن رئيس جماعة الويدان، وهو أحد المساهمين الأساسيين في المشروع، التزامه بمحاربة زواج الأطفال. لقد كانت هيئة الأمم المتحدة للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان من الداعمين المهمين لنا، حيث يعززان التحالفات الرئيسية ويدعمان مبادراتنا للتصدي لزواج الأطفال، بما في ذلك تقديم ورش عمل، وإجراء حوارات مجتمعية، وإقامة مؤتمر وطني رائد.
أخذت مريم شغفها للدفاع عن حقوق الأطفال عن والدها الذي كان يعمل خبيرًا في التنمية الدولية، وقد تعلمت منه الكثير حين كانت ترافقه في مهام عمله في خلال طفولتها، وألهمها تفانيه في الدفاع عن حقوق النساء والفتيات، فاتجهت للعمل في مجال حقوق الإنسان، مع التركيز على الحقوق السياسية للمرأة في جميع أنحاء العالم. وأثناء مهمة لها في المغرب، لاحظت خطأ كبيرًا في البرامج – وهي استبعاد الفتيات المراهقات. وقد تدخل كثير من المتخصصين بعد فوات الأوان، فضاعت فرصة تقديم الدعم لهؤلاء الفتيات لتفادي زواجهن المبكر وإبقائهن في المدرسة.
وقد غذت شغفها بحب الاطلاع على واقع الحال، فلاحظت مريم تعرض المراهقات في حركات حقوق المرأة للإهمال التي تركز عادةً على الأطفال دون سن الخامسة، وافتقارهن إلى أماكن آمنة خارج المدرسة والمنزل يمكن أن تساهم إيجابيًا في تنميتهن، وسمعت عن قصص كثيرة كقصة رجل عشريني قطع أميالاً طويلة بحثاً عن عروس جميلة متحدياً المسافات وحواجز اللغة،
وبعد عناء سفر طويل اختار على عجل فتاة مراهقة وتزوجها دون أن يتعرف عليها. هذه القصة وغيرها أثبتت لمريم أن الفتيات يفتقرن إلى حماية قانونية تضمن سلامتهن وتتيح لهن إبداء الرأي في مستقبلهن.
تعتقد مريم أن أهم خطوة في محاربة زواج الأطفال تكمن في تثقيف الشابات والآباء على حدٍ سواء. في هذا السياق، يسعى مشروع #أنصار_المساواة التابع لمشروع «تحليق»، بالشراكة مع المركز المغربي للإبداع والمقاولة الاجتماعية (MCISE) ودعم من منظمة «أشوكا» ومؤسسة UPS، إلى رفع مستوى الوعي، ويعمد إلى إشراك المؤثرين للدعوة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لتحقيق مجتمع أكثر مساواة. ينبغي للفتيات المراهقات المتزوجات قبل سن 18 عاما أن يبقين في المدرسة، ليتاح لهن النضج بدنيًا وعقليًا حسب ما تقول مريم. وقد لفتت إلى أن مشروع «صور» يعمل على تمكينهن ببرامج قوية تؤدي إلى زواج نسبة أقل من 1% من القاصرات مقارنةً بالمعدل الوطني البالغ 14%. ويستهدف التعليم الفتيات المراهقات والآباء على السواء. وبوسع الآباء، وهم حلفاء رئيسيون، دعم تطلعات بناتهم في التعليم والعمل والزواج بين البالغين. وتتناول ورش العمل زواج الأطفال وتؤكد على أهمية الزواج المتوازن وتشجع الفتيات على التفكير في الشراكات المدروسة.
الموضوع ظهر للمرة الأولى على صفحات عدد يناير 2024 من المجلة