أول أوبرا ضخمة من إنتاج السعودية في الرياض
ستُعرَض أول أوبرا ضخمة من إنتاج السعودية في الرياض الشهر المقبل. وفي حوار مع ڤوغ العربية، يتحدث الفنانون العالميون والمحليون المدرّبون المشاركون في هذه الأوبرا عن أهمية هذا الحدث العظيم
وصفت ماريا كالاس، السوبرانو اليونانية المولودة في أمريكا والتي كانت إحدى أشهر مغنيات الأوبرا في القرن العشرين، مهنتها ذات يوم قائلةً إنها “تبدأ قبل زمن طويل من رفع الستار وتنتهي بعد زمن طويل من إسداله”. وللأوبرا طريقة تجعل الجمهور يتعلّق بها، وتتمتّع بسحر على المرء أن يراه ويستمع إليه ليفهمه. وهي تقدم فنًا موسيقيًا لا نظير له، وأخيرًا ستشق طريقها إلى السعودية الشهر المقبل.
وقد صرح سلطان البازعي، الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية، في بيان أعلن فيه أن أول أوبرا ضخمة للمملكة ستحمل عنوان “زرقاء اليمامة” قائلاً: “ستلهم هذه اللحظةُ جيلاً جديدًا من الفنانين السعوديين وستعرض ثقافة السعودية للجمهور العالمي”. وتستمد هذه الأوبرا قصتها من حكاية قديمة من شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وتدور أحداثها حول البطلة الجريئة زرقاء اليمامة، التي سُمّيت الأوبرا باسمها. وتتمتّع البطلة بنظر حاد، وبعدما أبصرت اقتراب جيش للأعداء يهدد بتدمير شعبها، تحاول تحذير زعيم قبيلتها ومستشاريه من هذا التهديد الوشيك. لكن هل سيصدقونها؟
وتصرح السيدة سارة كونولي، مغنية الميزو سوبرانو الإنجليزية الشهيرة التي اُختِيرَت لأداء دور البطولة، لــڤوغ العربية قائلةً: “شأن غيرها من النساء العظيمات، سواء في التاريخ الواقعي أم الخيالي، مثل بوديكا وكاساندرا وميديا، فإن زرقاء اليمامة قائدة ملهمة وضحية مأساوية في آن واحد”. وتضيف كونولي، التي ستلعب دور البطولة إلى جانب الفنانين السعوديين خيران الزهراني، وسوسن البهيتي، وريماز عقبي: “كثير من الناس ينزعجون ممن يزعمون أن لديهم بصيرة حادة أو رؤية سبّاقة، ولهذا سبب وجيه لأن بعضهم من المحتالين، ولكن تفاني زرقاء اليمامة في الدفاع عن شعبها كان محرجًا [لهؤلاء الناس] على أقل تقدير. وأنا على يقين من أن إرث هذه الأسطورة التي دفعت شكسبير لتأليف رواية “ماكبث” ستلقى صدى قويًا اليوم”.
كما يشارك في هذه الكوكبة متعددة الجنسيات الفنانون: كلايڤ بايلي وجورج ڤون بيرغن من إنجلترا، وأميليا واورزو من أستراليا، وسيرينا فارنوكيا وباريدي كاتالدو من إيطاليا. وستقود هذا العمل أوركسترا دريسدنر سينفونيكر بمصاحبة غناء كورال برنو الفيلهارموني التشيكي. ويصف البازعي هذا العمل وما يضمه من مزيج مدهش من المحترفين العالميين والمحليين المدربين بأنه “لحظة تاريخية في الرحلة الثقافية للمملكة”، ولا سيما بالنظر إلى أنها ستكون أضخم أوبرا كبرى تُقدَم باللغة العربية حتى الآن. وستحيي القصةَ الدرامية لزرقاء اليمامة أصواتٌ غنائية استثنائية وعروضٌ أوركسترالية وكورالية كبرى ستجعل هذه الأوبرا تجربةً من عالم آخر لم تشهد البلاد لها مثيلاً من قبل. وستنطلق هذه الأوبرا العصرية لأول مرة في مكان بالرياض في أبريل، ومن المقرر أن يستمر تقديمها ضمن سلسلة تضم ثمانية عروض حتى أوائل مايو. ويُعدّ هذا الحدث التاريخي ثمرة للتغييرات التي وضعتها “رؤية السعودية 2030” – وهي خارطة طريق تقود المملكة بعيدًا عن اقتصادها المعتمد جزئيًا على النفط بالاستثمار في قطاعات مثل الثقافة والسياحة. وقد أدّى ذلك إلى إصلاحات اجتماعية، مثل تخفيف القيود على مجال الترفيه، ما مهّد الطريق لتنمية الساحات الفنية والموسيقية والسينمائية والمسرحية في البلاد.
وتعزيزًا للرسالة المتمثّلة في عرض المواهب الوطنية إلى جانب الشخصيات الشهيرة عالميًا في هذا الميدان، اُختير الملحّن الأسترالي القدير لي برادشو لتأليف الموسيقى الأصلية لأوبرا “زرقاء اليمامة” مع النص الأوبرالي للكاتب والشاعر السعودي صالح زمانان. وكتابة هذه الأوبرا مثار فخر لزمانان لأنها تقدّم منظورًا فنيًا وجماليًا جديدًا لنظرائه وكذلك للجمهور الذين سيشاهدونها من خارج المنطقة. وأوضح في تصريح له أن “زرقاء اليمامة” تمثّل مأساة مليئة بالدم والدموع تصوّر التاريخ القديم، وفي الوقت نفسه ترمز إلى أحزان العرب في عالم اليوم”، مؤكدًا أن ذلك لا يعني خلو العمل من أي بارقة أمل، بل إنه يؤمن، في واقع الأمر، أن العمل يعد “بغد مشرق وسعيد”.
ووفقًا لبرادشو، كان يربطه هو وزمانان نفس الشغف لإبداع عمل يظل عالقًا بالأذهان للاحتفال بهذه اللحظة التاريخية، ما عزز من ثقة كل منهما في الآخر. ويوضح أن مهمته كملحن تنطوي على التحقق من أن الأوبرا تخدم رؤية زمانان للحكاية الشعبية القديمة وتوصلها بطريقة هادفة. نعم، إن “زرقاء اليمامة” قصة حزينة وتثير مشاعر عصيبة بتناولها قضايا جديّة تُستَكشَف جميعها في المقطوعة الموسيقية. بيد أن ثمة كثير من الحركة والدراما أيضًا، والتي يتوقع برادشو أن ترفّه عن المشاهدين في بعض المواضع المنتشرة بين ثنايا عمل مؤثّر جدًا في مجمله. ولإعطاء المشروع وجذوره التاريخية حق قدرهما، استمد الملحن إلهامه من الموسيقى العربية ومن روح الأرض نفسها. يقول موضحًا: “في زيارتي الأولى للمملكة العربية السعودية، طلبت الذهاب إلى حافة العالم، وهو مكان رائع وجذاب [يقع في الصحراء شمال غرب الرياض] – ومن ثم باشرت الأجواء المحيطة وألوان الأرض والسماء تلهمني بأصوات الموسيقى في عقلي”، ويردف: “لطالما قلت إن الموسيقى موجودة في كل مكان، وبإمكان الملحنين، في حال أنصتوا إليها، تسجيلها. كنتُ أرغب في استكشاف الأرض، وأتصوّر كيف كانت تبدو خلال فترة قصتنا؛ كنت أرغب في الاستماع إلى الموسيقى التي يرسلها هذا المكان”.
وبالنسبة لريماز، يشكّل اختيارها لأداء دور رئيسي في العمل جنبًا إلى جنب سارة كونولي، أحد أكبر الأسماء في المسرح الكلاسيكي، فرصةً مهمة لتمثيل الإمكانات الفنية واسعة النطاق في بلدها. وتقول إن رؤية الاحتفاء بثقافتها ولغتها بهذه الطريقة حلم أصبح حقيقة. وهو أيضًا خطوة جوهرية نحو ترسيخ مكانة السعودية على الساحة الفنية العالمية حتى يتمكّن المواطنون السعوديون من نشر قصص عن أنفسهم لطالما رُوِيَت على لسان آخرين. تقول: “لا تعاني السعودية من ندرة المواهب والثقافة، ولكن غياب المنافذ خلال سنوات نمو الدولة هو ما خلق مجتمعًا متعطشًا للمزيد والمزيد. ولا يسعى الجمهور السعودي إلى وجود ترفيه عالمي المستوى داخل حدوده بلده فحسب، بل ويسعى أيضًا إلى رؤية ما نعرفه نحن أنفسنا ينعكس في فننا بذوق وروعة واحترام حتى يحظى بتقدير العالم كله.”
وتأمل ريماز أن يعتري الجمهور، أيًّا كان المكان الذي ينتمي إليه، “فضول شديد” عن اللغة العربية، وهو جانب من هذا العمل يشكل تحديًّا خاصًا لسارة كونولي. واستعدادًا لأداء دور زرقاء اليمامة، تتلقى المغنية المتمكّنة –التي سبق وتعلمت في الماضي الغناء بالروسية والتشيكية والبولندية- دروسًا مكثفة في اللغة العربية والغناء بها. ويجسّد هذا المشروع في حد ذاته قدرة الفن والموسيقى على تعميق العلاقات بين الناس عبر الحدود من خلال التواصل، وتشجيع تبادل الحوار والتقاليد. تقول سارة: “عندما نغني بأية لغة، فإنها تبدو مختلفة عن الكلام المنطوق لأنه يجب علينا أن نعرض الصوت عبر أوركسترا سيمفونية كبيرة دون تضخيمه”. وتردف: “ستكون هناك إطالة للنص وسيبدو مختلفًا. وأتمنى أن يُفهَم معظمه!”.