النمر العربي جوهر السمو والقوة في الفلكلور والتراث العربي
النمر العربي جزء من ثقافتنا وتراثنا في المملكة العربية السعودية بما يجسده من معاني الجمال والمرونة والتحمّل، وتعمل المملكة حالياً على تمهيد السبيل له ليجول مجددًا في الطبيعة
يُعدّ النمر العربي أحد رموز البيئة والثقافة والجمال في ذاكرة ووعي شبة الجزيرة العربية، ويرتبط وجوده التاريخي ارتباطًا وثيقًا بتراث المنطقة، حيث سجلت النقوش والمنحوتات الصخرية وجود النمر العربي في موطنه الأصلي في شبه الجزيرة العربية قبل ٧ آلاف عام على الأقل. إن النمر العربي جزء من ثقافتنا وتراثنا في المملكة العربية السعودية بما يجسده من معاني الجمال والمرونة والتحمّل ويدلّ تصوير النمر العربي في الفن والأدب والأزياء والشِعر على اتصال أهل الجزيرة العربية مع محيطهم الطبيعي وعلى التقدير الراسخ للنمر العربي كجزء من الموروث الشعبي الذي نقوم اليوم بإعادة إحياءه.
لقد كنت دائما شغوفة بفكرة دعم المبادرات التي تصب في هدف تحسين الصحة العامة بمفهومها الواسع وتعزيز جودة الحياة وسواء من خلال جهودي في رفع مستوى مشاركة وممارسة النساء والأطفال للرياضة، أو رفع مستوى الوعي بسرطان الثدي في جميع أنحاء المملكة، أو المساهمة في نشر الوعي بأهمية المحافظة على الكائنات المهددة بالانقراض – فإن ما يشترك بين جميع هذه المبادرات هو ارتباطها بمفهوم الصحة العامة والتي تتضمن صحة البيئة من حولنا، ومن خلال مبادرات التوعية البيئية التي عملت عليها أصبحت أكثر إدراكاً بمدى الترابط بين صحتنا العامة وصحة البيئة والحياة الفطرية من حولنا، ومدى أهمية أن نعمل على إعادة التوازن البيئي لمحيطنا.
عندما قمت بتأسيس منظمة «كاتموسفير» في عام 2021، كان ذلك في سياق دعم جهود الحفاظ على النمر العربي الذي يعد مهدداً بالانقراض بشكل حرج، إذ تشير أفضل التقديرات إلى تبقي أقل من ٢٠٠ نمر عربي في مناطق انتشاره البرية بشبه الجزيرة العربية، وبينما تسعى عدد من المبادرات والجهات على محاولة التغلب على انخفاض أعداد النمر العربي فقد ارتأيت استخدام جهود منظمة “كاتموسفير” التوعوية كمنصة تساهم في نشر الرسالة بأهمية المحافظة على الحياة الفطرية واستعادة النظم الطبيعية والتوازن البيئي من حولنا بما يصب في مصلحة الصحة العامة لمجتمعاتنا.
إن الأنشطة البشرية والتوسع العمراني أدى إلى التعدّي على الموائل الطبيعية ودفع أنواع من الكائنات، مثل النمر العربي، إلى حافة الانقراض، مما أصبحت معه الحاجة إلى جهود الحفاظ على البيئة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. لقد قطعنا شوطًا كبيرًا معًا، ولكن لا يزال يتعيّن علينا القيام بالمزيد، فما كشفته جائحة كورونا لنا هو أن العالم اليوم أصبح أكثر ترابطا وهذا الترابط يؤثر بشكل كبير فينا جميعاً، وعدم توازن البيئة والطبيعة من حولنا سيكون لها بلا شك تأثير على صحتنا العامة وعلى جودة حياتنا.
تقود المملكة العربية السعودية جهوداً متعددة لمعالجة التحديات البيئية من خلال «رؤية 2030» و«مبادرة السعودية الخضراء» ويقترن برنامج إكثار النمر العربي التابع للهيئة الملكية لمحافظة العُلا ببرامج إعادة توطين الحياة البرية التي ترمي إلى استعادة الحياة النباتية والحيوانية الأصلية في المناطق التي فُقِدَت فيها، على أمل أن توفر هذه المناطق، يومًا ما، الموائل اللازمة لإعادة توطين النمر العربي في الحياة البرية بالمملكة العربية السعودية. لقد كان النمر العربي يجول في أنحاء الجبال المحيطة بواحات العلا، وهو ما وثّقته الكثير من النقوش القديمة، ومن شأن إعادة توطين النمر العربي في موطنه الطبيعي أن يجمع بين الأهمية البيئية والاعتزاز الثقافي الذي يُعاد إحياؤه في العُلا اليوم والتي أصبحت وجهة للتراث الطبيعي والثقافي في المملكة.
لقد تعاونت منظمة «كاتموسفير» على مدى السنوات الثلاث الماضية مع عدد من الشركاء من أجل نشر الوعي بأهمية الحفاظ على النمر العربي، حيث عملنا مع الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، وصندوق النمر العربي، والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية بالسعودية، ومنظمة «بانثيرا» التي تعني بحماية القطط الكبيرة المهددة بالانقراض على انتاج سلسة توعوية عن النمر العربي والتي تعد أول سلسة تعليمية معدة باللغة العربية والانجليزية تقدم نظرة شاملة عن النمر العربي، وجهود المحافظة عليه من الانقراض.
وقد أثمر تعاوننا مع الهيئة الملكية لمحافظة العُلا وصندوق النمر العربي بصدور قرار مجلس الوزراء باعتماد يوم 10 فبراير يوماً للنمر العربي على مستوى المملكة، ومن ثم وجهنا مساعينا لنيل الاعتراف باليوم على المستوى الدولي، حيث عملنا مع وزارة الخارجية ممثلة بالوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة لاعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار “اليوم العالمي للنمر العربي” الذي قدمته المملكة وشارك في دعمه أكثر من ٣٠ دولة والذي أقر ١٠ فبراير يوماً عالمياً للنمر العربي.
وتعد أهمية رمزية هذا القرار كونه يمثل أول يوم توعوي تخصصه الأمم المتحدة للقطط الكبيرة أو أحد الأنواع الفرعية لها، وكذلك أول قرار قادته المملكة بشكل كامل لاعتماد يوم عالمي بالجمعية العامة للأمم المتحدة، مما يعكس اهتمام المملكة الكبير بالبيئة والكائنات الحية.
لقد ألهمني عدد الأشخاص الذين تفاعلوا مع مسيرة «كات ووك» التي أطلقتها منظمة “كاتموسفير” للتوعية بأهمية الحفاظ على القطط الكبيرة وأسعدني مدى حماسهم تجاه القضايا البيئية الأوسع نطاقًا. فعلى مدار الثلاث سنوات الماضية، شارك ما يقارب من 200 ألف شخص في مسيرات «كات ووك»؛ سواء بالمشي أو الجري أو ركوب الدراجات في جميع أنحاء العالم، كما أظهر المشاركون قدرات إبداعية ملهمة في صناعة الأزياء، والأقنعة، والأعمال الفنية، والملصقات الدعائية، وجميع أنواع الإكسسوارات دعما للمسيرة على نحو لم نكن نتخيله. وفي كل عام، يتم التصويت للنمر العربي من قبل المشاركين باعتباره أكثر «القطط الكبيرة» شعبيةً، مما يعكس المكانة التي بات يحتلها النمر العربي.
إننا نمتلك معاً القدرة على إحداث فرق، وأن نكون صوتًا داعياً للحفاظ على البيئة وإعادة التوازن لها وحماية الطبيعة من حولنا وأن نتعاون معًا للحفاظ على وجود النمر العربي وبقائه على مدى الأجيال القادمة.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صفحات عدد يونيو 2024 من ڤوغ العربية
تنسيق الأزياء: محمد حازم رزق
المكياج Christina Lutz
فنانة العناية بالأظافر Adrienne
مسؤول التشغيل الرقمي Massimo Fusardi
المنتج Sam Allison
موهبة عرض الأزياء Yara Alnamlah