روح الاولمبياد” صاحبة السمو الملكي الاميرة دلّيل بنت نهار بن سعود آل سعود المدير التنفيذي – الألعاب السعودية
كلّ أربع سنوات وخلال عدة اسابيع في فصل الصيف، يجتمع العالم واضعاً خلافاته جانبًا، ويركّز على ما يمكن تحقيقه عندما نتحد ونعمل معًا، وتتاح الفرصة للرجال والنساء لإبراز أفضل ما لديهم، ولإثبات قدرتهم على تعدّي الحواجز، ويظهر مردود استثمارنا في تشجيع المثابرين على تحقيق أحلامهم.
هذهّ هي الروح الأولمبيّة، لذلك شعلة لا الأولمبياد لا تتوقف عن التوهج، لتمثل رمزًا مستمرًا لإضاءة الطريق نحو مستقبل يقوم على الروح الرياضية والمثابرة والعزيمة.
وإذا كانت الالعاب الأولمبية تقام كل أربع سنوات فإن روح الأولمبياد تبقى معنا دوما لتحفز وتشجع الرياضيين كل يوم وفي كل مكان حول العالم لتحقيق احلامهم، وليس بالضرورة أن نكون رياضيين عالميين لنستمد الإلهام من الأولمبياد، فالبطولة تحمل في طيّاتها مبادئًا وقِيمًا تمتدّ إلى أبعد من الملعب، وعندما تتّجه أنظار العالم إلى باريس هذا الشهر، ستختفي فروقات الزمان والمكان، وسنتابع سوياً تلك اللحظات الملهمة لنا التي نرى فيها ما يمكن ان يحققه الأشخاص الذين كرسوا وقتهم وجهدهم والتزموا من خلال المثابرة والعزيمة لتحقيق التفوق والنجاح.
إن ما تلهمه الأولمبياد لكل متابع ومشاهد هو روح التحدي، وهو ليس مجرد تحدي رياضي، وإنما تحدٍّ للذات لدفعها كيّ تصبح أفضل، ولاستلهام العزيمة لإيجاد سُبل تخطّي العقبات في حياتنا الخاصّة، وتحقيق الأهداف التي وضعناها لأنفسنا، وأن نسعى لصحّة افضل لأنفسنا وعوائلنا، وأن نساهم في تطور وتقدم مجتمعاتنا .. انها بالمصطلح الأولمبي ان نسعى لحياة تتسم بروح التفوق والسعي للتميز.
وهذا ما يحدث في المملكة العربيّة السعوديّة اليوم، حيث أنه بعد أشهر قليلة من انتهاء دورة الأولمبياد الصيفيّة في باريس سننظّم في المملكة دورة الألعاب السعوديّة السنويّة في الرياض وهي الدورة التي تمثل أولمبيادنا الوطني، إذ ستجمع النسخة الثالثة هذا العام من الألعاب السعوديّة رياضيينَ من جميع الفئات، بما في ذلك الرياضيون البارالمبيين، وأكثر من ستة آلاف مشارك ورياضيّ، يتنافسون في أكثر من خمسين رياضة مختلفة في احتفاء وطني بالرياضة يؤمن انها أداة للتحوّل الاجتماعي إلى الأفضل، وأنها قوّة دافعة للتحوّل الثقافيّ الايجابي.
لقد نصّت رؤية المملكة ٢٠٣٠ على أولويّة الاستثمار الوطني في الرياضة بسبب أهميّة دور الرياضة في التنمية الاجتماعيّة والبشريّة، وفي صياغة مسارات الحياة وتشكيلها لشبابنا، فالرياضة تحفز على السعي للتفوق وتمنح الجميع الفرصة والمساواة لتحقيق ذلك وتدفع على العمل بروح الفريق، ان الرياضة هي احد نقاط البداية التي يتعلم منها كل شاب وشابة ان الوصول لخط النهاية وتحقيق النجاح مرهون بالعودة للوقوف مع كل سقوط، وبالعودة للمنافسة بعد كل عثرة.
خلال السنوات القليلة الماضية شهدنا ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في الرياضة في المملكة بنسبة تزيد على ١٥٠٪ وهو تحول كبير يؤثر ايجاباً على المرأة السعودية سواء داخل ميدان المنافسة وخارجها، وهو تحوّل لا يؤثّر على قطاع الرياضة فحسب؛ بل على جميع القطاعات، فعندما تشهد المملكة مشاركة أكبر للنساء على الملاعب والساحات، فإنّ ذلك يُمهِّد الطريق لزيادة حضورها في الفصول الدراسيّة، وقاعات الاجتماعات وغيرها، وهذه هي أهمية الرياضة الحقيقية وتأثيرها على المجتمع، ولذلك تستمر المملكة في الاستثمار في الرياضة من اجل مجتمعها، ولهذا السبب تظل الأولمبياد والروح الأولمبية في غاية الأهميّة.
فالقيم الأولمبيّة التي قامت على مبادئ الحفاظ على كرامة الانسان وتعزيز التوافق والألفة بين الأشخاص وتحفيزهم على بذل اقصى الجهد، هي قيم اساسية سواء داخل الملعب او خارجه، وعندما يتعلم المتنافس احترام منافسه في الملعب حتى مع سعيه للتفوق عليه، فإنه أيضا سيتعلم احترامه خارج المعلب. هكذا تساهم الرياضة في ان نرى كمجتمعات ودول أنّ لدينا قيمًا مشتركة أكثر بكثير ممّا يفرّقنا، وهكذا تساهم الرياضة في ايجاد مسار أفضل للعالم.
ولذلك تؤمن المملكة بأهمية المساهمة في بناء عالم أفضل من خلال تحفيز التجارب الرياضية والثقافية التي تقرب بين الشعوب وتزيد من اتصالهم وتواصلهم، لأنّنا نتعلم من بعضنا عندما نجتمع معًا، ونعزِّز التفاهم، ونُصحّح المفاهيم الخاطئة، وبإذن الله، بالإضافة إلى الألعاب السعودية، ستستضيف المملكة على مدى العقد المقبل أحداثًا كبرى أخرى مثل: الألعاب الإسلامية، كأس آسيا، والألعاب الآسيويّة الشتويّة في نيوم، وإكسبو الرياض ٢٠٣٠، والألعاب الآسيوية ٢٠٣٤، وكأس العالم لكرة القدم ٢٠٣٤ الذي نأمل ان يتكلل ملف المملكة فيه بالنجاح.
لآننا نؤمن بقوة التأثير الإيجابي للرياضة في بناء مجتمعات أفضل وعالم افضل، نقوم في المملكة بالاستثمار في الرياضة، ليس من أجل تصدّر العناوين الإخباريّة، أو فقط لأجل استضافة الأحداث الرياضية الكبرى، ولكن لأجل الفوائد الاجتماعية والاقتصادية التي تجلبها لوطننا هذه الاستثمارات، فهي تنمية لأنفسنا ووطننا قبل أي شيء آخر.
سيقف الرياضيون هذا الصيف في باريس من جميع أنحاء العالم معًا، جنبًا إلى جنب، ليس فقط كرياضيّين تحت الأعلام الوطنيّة، ولكن أيضًا كرياضيّين تحت العلم الأولمبيّ، يُمثِّلون أفضل ما في دولنا، وأفضل ما في العالم ورموزاً للمثابرة والتفوق والسعي للنجاح.
ومن بين هؤلاء الرياضيين، دنيا أبو طالب، بطلة المنتخب السعوديّ للتايكوندو التي ستكون أوّل امرأة سعوديّة تتأهّل بشكل كامل عن طريق تصدرها في السباقات المؤهله للأولمبياد، حيث شقّت طريقها إلى باريس من خلال جولات التصفيات الآسيويّة في إنجاز رائع وملهم لكل فتاة سعودية تعي الآن انه بالمثابرة والعزيمة يمكن لها تحقيق احلامها، وهو إنجاز أجده ذا تأثير كبير على الصعيد الشخصيّ، باعتباري رياضيّة سابقة في مجال الفروسيّة لم تكن تستطيع المشاركة في هذه المنافسة سابقًا في المملكة. فهذا يوم جديد تمامًا للرياضة النسائيّة في المملكة.
وهنا تكمن قوّة الرياضة، وكيف يمكن للألعاب الأولمبيّة، والألعاب السعوديّة أن تغيّر حياتنا، وتغيّر مجتمعاتنا وعالمنا