صالون لوسي مصر – أقدم صالون تجميل متخصص في مصر كان وجهة المشاهير
صالون لوسي يحمل بين طياته الكثير من القصص والحكايات، فهو ليس مجرد صالون يقدم خدمات العناية بالأظافر فحسب، بل معلم تاريخي يحمل بين جدرانه ذكريات لا تقدر بثمن لنجوم ونجمات رحلوا عنه وربما رحلوا أيضاً عن دنيانا
داخل شوارع القاهرة القديمة في حي وسط البلد، وبالتحديد في شارع جانبي متفرع من شارع قصر النيل، يقبع كوافير لوسي، أقدم صالون تجميل متخصص في مصر. وهذا الصالون الأسطوري تديره السيدة لوسي، وهي امرأة في التسعينيات من عمرها، بحب وشغف منذ عقود طويلة. ويساعدها في هذا العمل ابن زوجها، رأفت عبد الحكيم علي، الذي يعمل معها عن كثب ليقدم أفضل الخدمات للزبائن. وعلى مر السنين، التقت لوسي بالعديد من المشاهير الذين اختاروا صالونها للعناية بأظافرهم، مما جعل هذا المكان جزءاً من تاريخ الجمال في مصر.
لوسي سيدة من أصول أرمنية ولدت وترعرعت في مصر عام 1936، وبدأت عملها في مجال العناية بالأظافر في سن 15 عاماً عند محل «باتا» الشهير. وتتذكر بحنين تلك الأيام وتقول: «في الماضي، كانت «باتا» شركة كبيرة تنتج الحقائب والأحذية إلى جانب وجود صالونات للتجميل في الطابق العلوي، وكانت عبارة عن كبائن مخصصة للعناية باليدين والقدمين في مقرها القديم بشارع عماد الدين في وسط البلد» كانت البداية رائعة، وبفضل تفانيها ومهارتها، تمكنت لوسي من بناء سمعة لا مثيل لها في مجال العناية بالأظافر. تقول: «كنت أحب كل الأعمال اليدوية، وحينما رشحني عبد الحكيم علي، الشهير بجيمي، للعمل في هذا المجال تحمست كثيراً. وتعلمت سريعاً، لذلك ترددت عليّ زبونات بسرعة البرق، وكنت شغوفة بتعلم كل جديد في هذا المجال، ما اكسبني ثقة نجمات ونجوم المجتمع والفن»
على مر السنوات، نجحت لوسي في افتتاح صالونها الخاص بمساعدة النجمة زوزو ماضي، التي كان لشقيقتها أتلييه في نفس البناية، ليصبح صالون لوسي الوجهة المفضلة للعديد من المشاهير. تذكر بعض اللحظات الفريدة التي جمعتها مع هؤلاء النجوم قائلة: «شرفنا بزيارة كثير من النجوم والنجمات من زمن الفن الجميل، وكان لقاؤهم يحمل لنا السعادة ويحمل لهم خدمات متميزة اعتادوا عليها». تصمت قليلاً وتضيف: «كنا نتميز بخلق جو عائلي يغلفه الاحترام والخصوصية». كانت لوسي قبل افتتاح صالونها قد تزوجت من جيمي الذي علمها فن العناية بالأظافر، وكان له من زواج سابق طفل هو رأفت، الذي سرعان ما عشق عمل والده وترك الثانوية العامة ليتعلم مهنة العناية بالأظافر. وعلى الرغم من مقاومة والده للفكرة في البداية، إلا أنه أمام إصرار رأفت تركه يختار طريقه. يعد رأفت صديق لوسي الوفي، فهو يلعب دوراً محورياً في إدارة الصالون، ويعبر عن فخره بزوجة أبيه قائلاً: «لوسي هي القلب النابض للصالون، وأنا فخور أنني أعمل إلى جانبها». وكان لرأفت أيضاً زبائنه من نجوم الصف الأول، والذين تحدث عنهم بحب وشغف.
تتوقف مدام لوسي قليلاً لتعود إلى الماضي وتشير إلى أنها ولدت في حي شبرا، لأب مصري من مواليد السيدة زينب وأم أرمنية تركية، جاءت بها حملات الصليب الأحمر الإغاثية إلى مصر. لم تكن لوسي تحب الدراسة، وقامت الراهبة المسؤولة عن مدرسة نوتردام باستدعاء والدتها لتطلب منها نقل لوسي من المدرسة لتتعلم إحدى المهارات اليدوية، كما شجعت والدتها على الاهتمام بموهبتها. ورغم أنها لم تكن موهوبة في الدراسة، إلا أنها كانت تمتلك موهبة جبارة في المهن اليدوية. وبالفعل تركت لوسي بسعادة المدرسة على الرغم من عدم ارتياح والدتها لذلك في بادئ الأمر، وانتقلت إلى العمل لدى سيدة تركية كانت تعمل في تصميم فساتين الزفاف والسهرة للطبقات الراقية من المجتمع. وكان العمل لديها له شروط قاسية، حيث يبدأ من يوم الاثنين من كل أسبوع وينتهي يوم السبت، وعلى العاملات الصغيرات أن يعشن في منزل السيدة التركية. «على الرغم من أنني عملت لديها لمدة عام واحد، إلا أنه بعد انتهاء الأسبوع الأول أصبحت البرومييره أو الأولى بين زميلاتي، وهذا أسعد والدتي كثيراً. وبعد مرور عام، كنت قد بدأت العمل من المنزل وتطريز الفساتين، وأصبحت لي زبونات من السعودية».
إلا أنه مع مرور الوقت وبعد تعرفها على جيمي، زوجها الثاني الذي كان يعمل في «باتا» وعلمها فن العناية بالأظافر، تركت الخياطة لتتجه إلى هذا المجال. وكانت في السادسة عشرة من عمرها أو أكبر قليلاً. ولأن هذه الوظيفة كانت حكراً على الأجانب آنذاك، أطلق على زوجها اسم جيمي أما هي فقد احتفظت باسمها لكونه اسمًا غير عربي. «جيمي كان جارنا ويقطن في الطابق العلوي من نفس البناية التي كنت أعيش فيها، وتقدم لخطبتي ووافق والدي، وسرعان ما وجدت نفسي متزوجة منه ونعمل معاً في «باتا». كانت مواعيد العمل من الصباح الباكر وحتى منتصف الليل، وظللنا هكذا، ثم توالى العمل في عدة أماكن بعدها حتى افتتحنا صالون لوسي، الصالون الذي يحمل اسمي والذي سأظل أعمل فيه حتى آخر لحظة في عمري». مازالت لوسي، التي اعتادت على الاستيقاظ مبكراً والعمل من الصباح الباكر، محافظة على عاداتها: «استيقظ في الرابعة صباحاً، أشاهد القليل من البرامج التلفزيونية، ثم اتجه إلى الصالون حتى الساعة الثانية أو الثالثة ظهراً على أقصي تقدير، ثم أعود إلى المنزل. وعادة ما أتناول وجبة الفطور في المحل. أما في الماضي، فكنا نقيم الاحتفالات خلال الشهر الفضيل ونجتمع جميعاً على موائد ضخمة وسط أجواء صاخبة».
تنتقل لوسي من الحديث عن مشوارها في مهنة العناية بالأظافر لتتحدث عن زبائنها وعاداتهم، وقد بدأت بالكاتب الكبير نجيب محفوظ الذي كان أحد أشهر زبائنها، والذي تعلق صورة له في الصالون، وهذا ليس من قبيل الصدفة. تحكي لوسي بفخر عن تلك الأيام: «كانت مواعيد نجيب محفوظ مضبوطة جداً. يصل في تمام الساعة التاسعة صباحاً، وكان يحب السير في الممر بين العمارات قليلاً حتى يأتي موعده والذي كان دائماً في التاسعة والنصف حتى يستقبله رأفت ومن قبله جيمي ليقدما له العناية اللازمة بأظافره، ففي الماضي كان الرجال والنساء يطلبون خدمات العناية بالأظافر على حد سواء، إلا أنه في هذه الأيام اختلف الأمر كثيراً وأصبحت هذه الخدمات في معظم الوقت حكراً على النساء». كانت تلك اللحظات التي تنتظره فيها لوسي، حيث تعرف أنه سيجلب معه هدوءاً وأناقة تميز شخصيته.
تضيف لوسي بابتسامة: «كان الزبائن يأتون خصيصاً له ويصطفون أمام الصالون ليوقع لهم على رواياته»، ويضيف رأفت: «كان هناك العديد من المصورين والصحفيين الفرنسيين الذين يعلمون بموعده الأسبوعي ويصطفون في الخارج في انتظار السماح لهم بالدخول للحصول على تعليق أو مقابلة صحفية أو صورة للأستاذ الكاتب الكبير. لم يكن نجيب محفوظ مجرد كاتب كبير، بل كان رمزاً للأدب والثقافة، وكان حضوره يضيف لمسة من الرقي والأهمية للصالون». واستكملت لوسي حديثها قائلة: «كانت لديه كاريزما خاصة. عندما يدخل الصالون، كان الجميع يشعرون برهبة واحترام. نجيب محفوظ كان جزءاً من تاريخنا، ووجوده كان شرفاً كبيراً لنا».
وتسترسل لوسي في حديثها عن علاقتهما قائلة: «كان نجيب محفوظ يحب الهدوء والتركيز، وكنا نفهم ذلك جيداً، وكنا نحترم رغبته في الهدوء ونعمل في صمت». ويضيف رأفت: «أنها لحظات لا تُنسى. فقد كان يتعامل معنا كأصدقاء، وكان الحديث معه يضفي جواً من الإبداع والإلهام».
هل كان صالون لوسي مجرد مكان للعناية بالأظافر، أم مركزاً ثقافياً وفنياً يحتضن ذكريات العديد من الشخصيات البارزة؟ إن القصص التي ترويها لوسي بحب وفخر تجعل من صالونها مكاناً يحمل عبق التاريخ وعبير النجاح. وللنجمات حصة من ذكرياتها أيضاً، فقد كانت تحية كاريوكا من المداومات على زيارة الصالون بصورة دورية، إلا أنه قبل وفاتها، تدهورت حالتها المادية كثيراً، فلم تكن تستطيع الذهاب بانتظام كما عهدتها مدام لوسي التي لم تتركها، بل كانت تداوم على زيارتها في المنزل وتقدم لها العناية اللازمة بأظافرها. أما سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، «كانت مدام فاتن حمامة راقية جداً في تعاملها، كما كانت مشغولة دائما في التصوير، إلا أن موعد أظافرها لم يكن ليؤجل أبداً» كانت تحجز مع لوسي الموعد وترسل لها سيارة تحضرها لمكان التصوير لتقوم بعمل أظافرها، ثم تعيدها مرة أخرى حتى لا تتأخر. ولعل ذلك ما منح لوسي فرصة للظهور في مجموعة من الأفلام القديمة وتقول بفخز: «لم أكن ممثلة إلا أنني ظهرت في مجموعة من الأفلام مثل أرض النفاق، حبيب حياتي، بنات بحري وأحلام البنات، وكانت علاقتي بالنجمات، والمخرجين طيبة جداً»
أما النجمات الأخريات، مثل شادية وزهرة العلا، فتقول لوسي: «شادية وزهرة العلا ومديحة يسري كن زبوناتي أيضاً وكن دائمات الضحك، ويضفن جواً من المرح للمكان» أما سعاد حسني فلم تكن من زبونات الصالون إلا أن شقيقتها النجمة نجاة الصغيرة كانت من زبائن الصالون وكانت تكن لها لوسي مشاعر خاصة لرقتها وذوقها الشديد في التعامل.
ويتذكر رأفت أيضاً أن النجم فؤاد المهندس كان يتأثر كثيراً بلمس قدميه، فيشعر بالدغدغة، ولذلك كان يطلب من رأفت القدوم إلى منزله حتى لا يشعر بالحرج من استرساله في الضحك أمام الزبائن. كما قدم رأفت خدماته للنجم عبد المنعم إبراهيم وسمير صبري حتى قبل وفاته بأسبوع، وللمنتج محمد مختار حتى الآن. ويذكر رأفت أيضاً زيارات النجمات مثل نادية الجندي للصالون، ويشير إلى أن رشدي أباظة كان زبوناً لوالده ولم يغيره حتى وفاته. لعل ذكريات لوسي ورأفت مع هؤلاء النجوم تضفي على صالون لوسي رونقاً خاصاً، يجعله جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الجمال والفن في مصر..