تمارا رالف تعود إلى دنيا الموضة وتطلق دار أزياء تحمل اسمها في باريس
اجتازت تمارا رالف تحديات عنيفة حتى أطلقت دار أزيائها الراقية التي تحمل اسمها في باريس. وتجمع مجموعتها الأولى بين الأنوثة والقوة، لتشهد على عودتها إلى دنيا الموضة.
«تتمحور هذه المجموعة حول قوة المرأة والأنوثة، وتدور حول بعض تجاربي على مدى الأعوام القليلة الماضية وإظهار الجانب الواثق والأكثر شجاعةً من ملكاتي الإبداعية»، هكذا تعلّق تمارا رالف على أول مشروع منفرد يحمل اسمها. وعلى هذا النحو، تسطِّر المصممة فصلاً جديدًا في مسيرتها المهنية بعد وضع شركتها السابقة رهن الإدارة [بموجب طلب قُدِّم إلى المحكمة]. وتبرهن عودتها المظفّرة إلى دنيا الموضة على أن الصمود الحقيقي لا يرتبط بالتغلّب على التحديّات وحسب، بل أيضًا بالإقبال على اللحظات السعيدة التي تشكّل الحياة.
أُقيم عرض «تمارا رالف» للأزياء الراقية في يوليو الماضي بالصالون الكبير «غراند صالون» في فندق شانغريلا بباريس، بحضور حشد من الأصدقاء المقرّبين والعميلات الوفيّات. وجمعت المجموعة بين المكونات الرقيقة والهياكل القوية، لتقدّم بذلك تجسيدًا آسرًا للأنوثة. تقول المصممة: «استعنتُ بالعناصر التي كانت دائمًا تشكّل جانبًا من جماليات تصميمي، وجعلتُها أكثر صلابةً وصرامةً وقوةً؛ فقد استعنتُ بأشياء مثل الورديات الصغيرة وجعلتُها من المعدن، وحوّلت هياكل تشبه الدروع إلى فساتين تبدو كدروع من اللؤلؤ». ومع ختام العرض، ظهرت تمارا رالف لتحيي جمهورها وهي تحمل ابنتها هاليا البالغة من العمر عامين على فخذها، ما يرمز إلى الدور المحوري الذي لعبته طفلتها في إلهامها للبدء من جديد.
لقد كان عامًا حافلاً بالأحداث للمصممة، فقد زيّنت تصاميمها حفل توزيع جوائز الأوسكار، حيث تألقت النجمة هالي بيري بفستان أبيض له حلقة ملتفة حول العنق ومزدان بالورود المعدنية الصغيرة من تصميمها. وفي حدث بارز آخر، صممت تمارا رالف فستانًا بالأصفر الشاحب متوسط الطول ومكشوف الكتفين بتفصيلة على هيئة أنشوطة مع رداء تحتي شفاف للملكة الأردنية رانيا خلال حضورها حفل تتويج الملك تشارلز في مايو الماضي.
لقد حققت تمارا رالف نجاحًا ساحقًا بعد الاضطرابات التي شهدتها السنوات القليلة الماضية. يُذكَر أنها كانت في السابق المديرة الإبداعية لعلامة «رالف آند روسو»، التي أُسِّسَت عام 2010 على يدها هي وشريكها آنذاك مايكل روسو، وكلاهما ينحدر من أستراليا. يقع المقر الرئيسي للعلامة في لندن، وسرعان ما سطع نجمها وتمكنت من جذب عميلات رفيعات المستوى عبر إبداعاتها فائقة الأنوثة والفاتنة على نحو منقطع النظير. وقد أثار الثنائي ضجة كبرى في مجال الأزياء بصعود نجمهما الصاروخي، كما ارتدت تصاميمهما أشهر النجمات مثل بيونسيه وأنجلينا جولي. وأصبحت «رالف آند روسو» أول عضو ضيف من بريطانيا ينضم إلى غرفة نقابة الأزياء الراقية خلال ما يقرب من قرن من الزمان، حيث قدمت أول عروضها للأزياء في باريس عام 2014. واكتسبت العلامة شهرة عالمية عندما اختارت ميغان ماركل فستانًا راقيًا [من تصاميمها] بسعر 75 ألف دولار أمريكي للظهور به في صور خطوبتها الرسمية عام 2017.
وطوال هذه الرحلة، انتهت العلاقة الشخصية بين [تمارا] رالف و[مايكل] روسو، إلا أنهما استمرا في قيادة الشركة معًا. ومع ذلك، أسفرت الجائحة عن توقف فعاليات السجادة الحمراء والأمسيات الساهرة، ما جعل دار الأزياء الراقية غير قادرة على التعافي من خسائرها، إلى أن وُضِعَت في نهاية المطاف رهن الإدارة عام 2021.
وترى تمارا رالف أن أقل ما يمكن أن تصف به تلك الأحداث التي مرت بها أنها مروعة. وعن تجربة عملها من مقرها في لندن تقول: «كانت صدمة كبيرة جدًا، فقد كانت «رالف آند روسو» مشروع حياتي كلها»، وتردف: «كانت بمثابة طفلتي، فقد بنيتُها من الصفر». وقُدِّرَت قيمة الشركة في ذروة مجدها بـ175 مليون جنيه إسترليني (223 مليون دولار أمريكي). ومن ثَم، أثّر انهيارها بشدة في نفس تمارا رالف ونفوس أفراد فريقها المتفاني الذين أصبحوا بمثابة عائلتها بمرور السنوات. وما زاد مشاعرها تعقيدًا وارتباكًا أنها أثناء تلك الأزمة كانت تنتظر إنجاب طفلتها الأولى من رجل الأعمال الهندي بهانو تشودهاري. وكان التناقض بين النجاحات الشخصية والإخفاقات المهنية يمثل تحديًا لاستمرار المسيرة. «لقد كانت أصعب أوقات حياتي، وفي الوقت نفسه كانت من المفترض أن تكون أسعد أوقات حياتي، ما جعل قلبي ينفطر حزنًا أكثر وأكثر».
وفي خضم كل تلك الاضطرابات، منحها وصول ابنتها هاليا، في يناير 2021، مصدرًا للإلهام. تقول: «لا أظن أني كنت سأجد القوة لألملم شتات نفسي لولاها. وما أن بات دخولها حياتي حقيقةً، أصبح لدي فجأة هدف جديد وقوة جديدة». ومنحت الأمومةُ تمارا رالف القدرةَ على التكيّف، ومكّنتها من المضي قدمًا. وعلاوة على ذلك، شجعها الدعمُ الذي لا يتزعزع من عميلاتها الوفيّات، اللواتي كنّ بانتظار عودتها بفارغ الصبر، على الشروع في فصل جديد.
توضح تمارا رالف، التي اكتسبت سمعة طيبة في هذا المجال لقربها من عميلاتها وصلتها القوية بهن، قائلةً: «تصميم الأزياء الراقية يعدّ بطبيعته رحلةً خاصة»، وتضيف: «جزء كبير من القطع التي أصنعها هي نسخ مكررة من تصاميم قُدِّمَت على منصة العرض، بينما تتألف سائر القطع من مجموعات خاصة وحصرية مصممة خصيصًا لعميلات معيّنات، وغالبًا ما تكون لمناسبات مهمة في حياتهن. وهذه العلاقة الحميمة هي من أكثر جوانب الأزياء الراقية متعةً، لأنها تقيم علاقة قوية بين العميلة والمصممة». وقد دامت العلاقات التي أقامتها تمارا رالف على مر السنين، بل وأثبتت أنها قوة دافعة مهّدت لها سبيل بداياتها الجديدة. وبفضل العدد الضخم من العميلات والطلبات الكثيرة التي انهالت عليها، فقد عجّلت خططها في البدء من جديد. وعن ذلك تقول: «كان كثير من الناس يتصلون بي ويسألونني متى أعتزم البدء، لأنهم أرادوا طلب شيء ما. وهو ما حثني على البدء في وقت أبكر بكثير مما خططت له».
وتتطلّع علامة «تامارا رالف» في المستقبل لتنويع أنشطتها وتوسيعها لتتحوّل إلى شركة لنمط الحياة تشمل التصاميم الداخلية حسب الطلب إلى جانب الأزياء. وتعلل: «التصميم ليس مجرد مهنة لي؛ بل شغف يمتد إلى جميع مناحي الحياة. وتصميم الديكور الداخلي يشبه تصميم الفستان، فكلاهما يتضمن تشكيل أجواء وإثارة مشاعر من خلال المهارة الحِرَفية». ويكمن مفتاح الموازنة بين عبء كل هذه الجهود في اختيار المشروع المناسب. “نضع التناغم مع رؤية العلامة وجمالياتها في مقدمة أولوياتنا. وكل مشروع ننفّذه يستهدف السوق الراقية والفاخرة”. ومن المتوقع أن يبرز تعاونها المثير مع العلامات، والذي لم يُكشف عنه الستار بعد، موهبتَها الإبداعية بأبعاد جديدة.
وطوال مسيرة تمارا رالف المهنية، ظل الشرق الأوسط أكبر سوق لها، حيث تقبل النساء بشغف على الموضة والأزياء الراقية وفن الاحتفال بحماس منقطع النظير. «ما أحبه في نساء الشرق الأوسط هو ولعهن بالأزياء الراقية والموضة. ولديهن هذه المناسبات الرائعة التي يستطعن فيها ارتداء أزياء غاية في الأناقة حقًا. ولا تزال لديهن مناسبات تتطلّب أزياء راقية، وهذا جميل».
وعشق تمارا رالف للأزياء الراقية أكثر من مجرد خيار مهني، بل إرث تتناقله الأجيال؛ فقد كانت جدتها مصممة أزياء راقية في أستراليا، وكانت تمارا تجد سلواها في رسم الفساتين والأزياء منذ صغرها. تذكر: «كانوا يُبعدونني دائمًا عن غرفة الخياطة طالما لا يوجد بها أحد من الكبار. كانوا قلقين على سلامتي، ولكن فضولي كان يجذبني مباشرةً نحو تلك الغرفة بالذات كلما غادروا المنزل»، وتضيف: «لم أستطع مقاومة استكشاف مكتبة ڤوغ الضخمة من الأنماط التي كانت أمي مولعةً بجمعها على مر السنوات. وبدأت
في فترة مراهقتي في تشغيل ماكينة الخياطة سرًا أثناء غيابهم. وما لبث أن تولّت جدتي دور المرشدة، وأخذت تعلمني فن الأزياء الراقية المعقد، من الخياطة إلى الدرابيه، وأهدتني أول تمثال مانيكان أمتلكه. ودفعتني إلى إعادة صنع كل قطعة حتى تستوفي معاييرها الصارمة. وكانت هذه التقنيات ذاتها هي التي نقلتُها لاحقًا إلى أول مصمم أزياء راقية عينّتُه عندما بدأتُ العلامة، وهو الآن رئيس مشغلي».
وحب الفن سمة لمستها تمارا رالف في ابنتها البالغة من العمر عامين ونصف العام والتي أبدت بالفعل اهتمامًا به. تقول وقد ارتسمت على ثغرها ابتسامة مشرقة: «هاليا تعشق الرسم جدًا، وأنا أيضًا. وكلما جلستُ لأرسم تصميمًا، أستخدمُ ألواني المائية. وهي الآن ترسم معي كل يوم تقريبًا. وفي الواقع، انغمستْ بكل كيانها في الرسم حتى إنها صارت في النهاية تستخدم جميع ألواني! لذا أحضرنا مجموعة لها». ولكن مشاركة ابنتها لها لم تتوقف عند هذا الحد. «من الرائع أنها تحب المشاركة في كل شيء. وعندما أبسط جميع تصاميمي المرسومة على اللوحة، وأستعرض القطع وأختارها للمجموعة، تشاركني هي أيضًا. ورغم أنها لا تستطيع بعد التعبير عن نفسها بطلاقة، إلا أنها لديها طريقتها في التعبير عن ما تفضله، فهي تشير إلى التصاميم التي تعجبها». إنها لحظة تشهد على عودة مصممة الأزياء الراقية إلى نقطة البداية، حيث تتطلع لتحقيق المزيد من النجاحات في المستقبل.
الموضوع ظهر للمرة الأولى على صفحات أكتوبر 2023