لايف ستايل

مصممة المجوهرات دينا الجسر


نُسجت رحلة مصممة المجوهرات دينا الجسر بخيوط من التراث والإلهام والشغف المتأصل بالزخرفة حيث إنّها نشأت بينها وغمرتها في ثقافة تسرد كلّ قطعة منها قصّة فريدة.

الصورة: Rohit Sabu، ڤوغ العربية، مارس 2020

وُلدت دينا في الرياض، ونشأت بين سحر المجوهرات المتلألئة، مغمورة في ثقافة تحكي كل قطعة منها قصة فريدة. تقول: «كنت في نشأتي أستلهم من والدتي والبيئة المحيطة بي والكثير من النساء اللواتي كن يرتدين العباءات»، وتضيف: «كانت المجوهرات التي كن يرتدينها الشيء الوحيد الذي يلفت نظري، وهو ما جعلني أرى كيف تؤثر تأثيرًا كبيرًا على بساطة العباءات». 

وكانت ميلوها الفنية جلية منذ نعومة أظافرها. وعن ذلك تقول: «حين كنت في التاسعة، أدركت أن مستقبلي سيكون في عالم التصميم أو الأزياء أو المجوهرات، الخاصة بالنساء تحديدًا»، وتضيف: «ما أن بلغت الحادية عشرة، بدأت أتخيل كيف سأصمم الأزياء أو المجوهرات». وتحوّل هذا الوعي المبكر إلى سعي دؤوب لتحقيق شغفها. وفي السادسة عشرة من عمرها، انطلقت تخوض غمار رحلة انتقالية، غادرت فيها مسقط رأسها لتحقيق أحلامها داخل نسيج لندن النابض بالحياة. وهناك، وسط الشوارع الصاخبة والإبداعات الانتقائية، أصقلت مواهبها في جامعة «سنترال سانت مارتينز»، ونالت درجة البكالوريوس في تصميم المجوهرات. وقادها تعطشها للمعرفة إلى المعهد الأمريكي للأحجار الكريمة في لندن، حيث نالت شهادة في تصنيف الألماس والأحجار الملونة.

تجسد هذه الغرفة عشق المصممة للألوان؛ القطع جميعها من متجر CITIES DUBAI؛ الركن المفضل لدى دينا، ASSOULINE COFFEE TABLE BOOKS؛ كونُسول من تصميم HERVÉ VAN DER STRAETEN؛ اللوحة من FLORE؛ المزهرية وتصميم مبانُي دبي من متجر CITIES DUBAI

وبعد عودتها إلى لبنان، انجذبت أكثر إلى جوهر المجوهرات بارتباطها الوثيق بتراث عائلتها. تكشف: «قدمت لي عمتي إكسسوارات مجوهرة ورثتها عن جدتي الراحلة التي لم أقابلها قط»، وتضيف: «وجعلني إحساسي بارتباطي بهذه القطع أشعر وكأنني أعرفها لأن المجوهرات تروي الكثير عن الإنسان وشخصيته وذوقه». وقد أنار هذا الارتباط الحميم طريقها، وأكد مجددًا على حبها لهذا الشكل الفني.

وفي لبنان، تشعبت رحلة دينا فانغمست في عالم تصميم الأزياء ودرست في معهد «إسمود» وتدربت في دار «ربيع كيروز». ولكن، وسط هذا الفيض الإبداعي، انجذب قلبها إلى العالم الساحر المعقد للمجوهرات. تقول: «أحببت خط أزيائي، ولكنني كنت أشعر برضا أكثر نوعًا ما في تصميم المجوهرات»، وتضيف: «أحسست بسعادة أكثر في خاماتها وتفاصيلها المعقدة». وهكذا، اتخذت قرارًا شجاعًا بالانتقال إلى دنيا المجوهرات، فأغلقت خط الأزياء لتركز تمامًا على تصميم المجوهراتشغفها الحقيقي.

لوحة لصديق المصممة RAMON AULAR

ويتجاوز ملاذ دينا الجسر الإبداعي حدود مساحة عملها، إذ تجد السلوى والإلهام في إيقاعات الحياة اليومية. ووسط صخب المسؤوليات العائلية ومتطلبات العمل، تقتطع لحظات من السكينة والروتين الذي يرتكز عليه يومها. ففي كل صباح، وبينما تنثر الشمس ضوءها الناعم على دبي، تبدأ دينا يومها بعمل نظام متناغم للحياة العائلية. وتقول مجسدة الروح المحبة للأمومة والرعاية التي تتخلل جميع أعمالها: «في الصباح، أستيقظ وأجهز الأطفال للذهاب إلى المدرسة». ولكن، وسط كل هذا الصخب والنشاط، تستقطع لحظات ثمينة للعناية بنفسها وتنغمس في طقوس تجديد الحيوية والنشاط. وتوضح بالتفصيل روتينها الغذائي الذي يهيئ أجواء يومها التالي: «أبدأ يومي بتناول جرعة من الماء الدافئ مع الليمون». وما إن يبدأ يومها، تنغمس في عالم تصميم المجوهرات وتتعامل مع تعقيداته الإبداعية والإنتاجية بكل براعة. وتكشف، فيما ترسم صورة للتفاني والإصرار: «بعد ذلك، أنظم جدولي اليومي وأتعمق في العمل في خطي للمجوهرات». وتنبض كل لحظة تحياها بحس التفاني والإصرار، سواء في تصميم القطع الرائعة والإشراف على الإنتاج أم في إدارة أدق تفاصيل أعمالها. غير أنها في خضم أنشطتها المهنية تجد السلوى والإلهام في بساطة أوقات الفراغ. وتستحضر صور الشواطئ المغمورة بأشعة الشمس والحضن الهادئ للأمواج الزرقاء قائلةً: «أكثر مكان أحس فيه بالسعادة هو شاطئ البحر». فهنا، وسط المد والجزر، تجد الراحة والإثراء الإبداعي.

دينا الجسر أثناء اختيار الدرجات للونُية لقطعها وأثناء التصميم

وتمثل رحلة دينا الإبداعية شهادة على تفانيها بلا كلل في البراعة الحرفية والابتكار. وتعزف عمليتها الإبداعية، المتأصلة في تقديرها الشديد للأنماط والأشكال الهندسية، سيمفونية من الإلهام والبراعة. ومتتبعة نشأة جمالياتها في التصميم، تكشف عن ما لفت أنظارها بالصدفة في المطار بالرياض المثلث: «يعتمد أول مصدر أستقي منه الإلهام على نفس النمط، وهو الألماس المثلث الذي شاهدته في كل مكان في السعودية، يزين المطاعم والجدران والأسقف». ومنذ تلك اللحظة حتى الآن، أصبحت تصاميمها مشبعة بحس الاستمرارية والتطور، وتعتمد كل مجموعة على أساس المجموعات السابقة. توضح: «عندما أتنقل من مجموعة إلى أخرى، أبدأ عملية التصميم بإعادة النظر إلى مجموعاتي السابقة مرة أخرى. وأتناول أحد الأنماط وأعيد تشكيله في قطعة جديدة». وبهذه العملية التي تعتمد على إعادة الترجمة الابتكار، تبث دينا حياة جديدة في تصاميمها وتضفي عليها أناقة خالدة وسحرًا عفويًا.

دينا الجسر وسط آعمال فنية مميزة في منزلها

وأهم ما يميز فلسفتها في التصميم هو التزامها بالاحتفاء بالتفرد والأنوثة والجرأة. تقول: «لكي أحافظ على سمة ثابتة في تصاميمي، أركز على عدم المزج والمطابقة بين الكثير من التصاميم والأنماط». وبالمحافظة على انسيابية تصاميمها وترابطها، تضمن أن تكون كل قطعة مشبعة بحس الأناقة العفوية والرقي البسيط. وسواء في مجموعتها «هابينيس» Happiness الحيوية المرحة أم في قطع «هيرتيج» Heritage ذات الجاذبية الراقية، تجسد تصاميمها مزيجًا متناغمًا يجمع بين التقاليد والحداثة ويحتفي بالجمال الأصيل للشكل الأنثوي.

ُنُسجت رحلة مصممة المجوهرات دينا الجسر بخيوط من التراث والإلهام والشغف المتأصل بالزخرفة

ووسط نجاحات مسيرتها الإبداعية، واجهت أيضًا نصيبها العادل من التحديات. ولكنها تعاملت مع كل عقبة كفرصة للنمو والارتقاء، بدءًا من التعامل مع الفروقات الدقيقة في تعليقات العميلات وحتى التأكد من أن جميع قطعها المصنوعة يدويًا تعكس الفخامة والجمال الذي تمثله علامتها. إن هذه المرونة والإصرار هما اللذان دفعاها إلى الأمام وقاداها إلى أسمى درجات النجاح والتقدير.

وبالنظر إلى المستقبل، يظل شغفها يتوهج أكثر بالبريق والإشراق كما كان دائمًا. وتقول دينا وصوتها يتقد بالحماس: «أعمل حاليًا على شيء مهم لعلامتي. ولكن لا يمكنني نشر تفاصيله بعد. أحتاج إلى إتمام دراسته أولاً».

وتمتد رؤية دينا الجسر الإبداعية إلى أبعد من عالم تصميم المجوهرات وتتغلغل في جميع جوانب حياتها، من الألوان الزاهية لديكورات منزلها إلى الأناقة الخالدة لمجموعاتها. وتقول، مشيرةً إلى قدرة الألوان على التحول وتشكيل تجربتها اليومية: «على مر السنين، تعلمت أن وجود الألوان في منزلي وخزانتي ضروري لبدء يومي بمزاج جيد». وعندما أثثت منزلها، قررت بوعي إحاطة نفسها بقطع تبث السعادة والمشاعر الإيجابية في حياتها. تكشف: «أحب اقتناء القطع الفريدة، وكلما اشتريت قطعة جديدة، يبدو وكأنها تجلب طاقة إيجابية إلى حياتي».

ولم تكن عملية تصميم منزلها، في رأيها، تعتمد على الالتزام بجماليات معينة، بل بتنسيق مساحة تعكس تفرد شخصيتها وذوقها. وتوضح: «لم أركز عند تصميم منزلي على تماثل التصاميم. وبدلاً من ذلك، اشتريت قطعًا ترتبط بي وتخاطبي». وهذا النهج العفوي في التصميم هو الذي أضفى على منزلها إحساسًا بالدفء والأصالة وخلق ملاذ زاخر بالإبداع والإلهام.

غير أن حبها للألوان يتجاوز جدران منزلها، ويتغلغل في جميع جوانب عملياتها الإبداعية. وتكشف: «للألوان دور مهم في حياتي»، وتضيف: «عندما أبدأ في التصميم، من الضروري وجود الألوان؛ ومن دونها، أجد صعوبة في الإبداع». وهذه العلاقة التعاونية بين الألوان والإبداع هي التي تثري تصاميم مجوهراتها وتضفي على كل قطعة إحساسًا بالبهجة والحيوية.

وتتجاوز تطلعاتها المستقبلية عالم التصميم وتتبنى رؤية للتراث والخلود. وتقول وصوتها مفعم بالعاطفة والإصرار: «أتخيل أن يتزين بتصاميم DINA J ليس جيلي فقط، بل جيل والدي وجيل أطفالي. أود أن تتخطى علامتي الزمن وتصبح إرثًا تتوارثه الأجيال». إن هذا الالتزام بالبراعة والتقاليد هو ما يميز قطع مصممة المجوهرات ويضمن بقاء تراثها لأجيال مقبلة.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى