فصل جديد من التمكين.. الطلاق بالنسبة للمرأة العصرية بداية لمرحلة انتقالية
الطلاق بالنسبة للمرأة العصرية، بداية لمرحلة انتقالية نحو حياة منفردة تتطلب شجاعة متناهية، فبعد تحررها من قيود علاقة سابقة، تجد نفسها على طريق تجديد الذات.
كثر هن النساء اللواتي يروين قصصاً رائعة عن القوة والصمود والنمو والتجدد تسلط الضوء على حقيقة أن الحياة لا تنتهي بعد الطلاق – وإنما تنمو وتتطور وترسم لوحة الوجود بألوان نابضة بالحياة من التمكين، والأمل، والوعد بفرص جديدة. ورغم أن هذه الرحلة قد تختلف من امرأة إلى أخرى، فإنها تعد بالنسبة لهن جميعًا تجربة للتمكين، وحب الذات، والروح الصامدة التي تتغلب على الشدائد. الفنانة والإعلامية مهيرة عبد العزيز واحدة من آلاف النساء اللواتي نفضن عنهن غبار علاقة لم تعد لصالح الطرفين، واتخذن القرار بالمضي منفردات في رحلة تعافي انتهت بنجاحٍ وتألق وراحة نفسية منقطعة النظير.
في ظل ظروف طلاقها، انطلقت مهيرة في رحلة عميقة لاكتشاف الذات والتأمل، رحلة على حدّ وصفها خرجت من رحم علاقة وصلت لنهايتها، وأبرزت القوة الاستثنائية الكامنة داخل كل امرأة لمواجهة أعمق المشاعر، حتى وإن هددت بالاستنزاف. أصبح تحمل الألم الرهيب مهمة كبرى. استغرقت أربع سنوات مضنية كي تستجمع شجاعتها للتحرر من القيود التي احتجزتها أسيرة. وأصبحت ابنتها، وسندها الأول، سببًا للمثابرة. لقد تصورت ابنتها في مكانها، تطلب التوجيه، ومن ثم أصبحت هذه الرؤية حافزًا لتصبح قدوة».
ولأن شبح الخوف من الطلاق كان يطاردها، حيث ينظر إليه كوصمة فشل لا تمحى، ولارتباط تقديرها لذاتها بالتوقعات المجتمعية بشكل وثيق، كانت تتوق إلى تحدي الصعاب والظهور كنموذج للتحمل في عيون الناس التي لا ترحم. وقادتها رحلة قبول الذات إلى إدراك حقيقة مفادها: «بعد أن تخليت عن سعيي الدؤوب وراء تقديري لذاتي من خلال نظرة الآخرين، بدأت أرعى الجذور الضعيفة لحب الذات». وفي كل يوم، كانت تولي أهمية كبرى للشعور بالبهجة، وتمحور اتجاهها للتأمل حول «استخدامه كمنظور يضعني أمام مشاعري الدفينة بوضوح شديد، علاوة على مواجهة التحديات الهائلة، والكشف عن شغف جديد»، على حدّ قولها.
وفي وقت الأزمات، يظهر الوجه الحقيقي للصداقة. اختفت بعض الصداقات، فيما نشأت صداقات أخرى جديدة، وتحولت عائلتها إلى حصن دعم لا يتزعزع. وطوال هذه الرحلة، ظل استقلالها الجوهري وتحفيزها لذاتها راسخًا. تقول بأسلوبها الخاص: «لم يشهد طلاقي على انتقالي إلى عالم التمثيل وحسب، بل كان أيضًا بمثابة إعادة تأكيد على جوهر ذاتي الذي لا يتزعزع».
ومع انطلاقها في رحلة التغيير، شرعت أيضًا في تنفيذ مهمة شاقة وهي التخلص من المعتقدات الراسخة عميقًا في نفسها. وتكشف بثقة: «أصبح واضحًا بلا أدنى شك أنه ليس كل إنسان يدخل حياتنا بنية البقاء. الناس تأتي وترحل، وهم فصول في صفحات القصة التي لا تنتهي لحياتنا».
ورغم أن السفر أتاح لها ملاذًا علاجيًا، سريعًا ما أدركت أن الشفاء لا يمكن قصره على الطبيعة في البلاد الأجنبية. وعلى حد قولها: «كان هذا الإدراك ما أعادني إلى أحضان صالة الجيم التي اعتدتها وأجج من جديد شغفي برياضة الكيك بوكسينغ وأكمل دائرة التعافي الشامل».
وبعد نهاية علاقة الزواج، من السهل أن يفقد المرء نفسه تحت وطأة العلاقة السابقة. وتقول بجمال عن هذا الجانب: «قد تكون إعادة اكتشاف هويتك كإنسانة رحلة عميقة، ومرحلة تقبل العزلة وتقدير حب الذات». وقد عززت علاقاتها بعدد لا يحصى من النساء – اللواتي روين قصصهن – هذا الإدراك: «لست وحدي من واجهت التحديات والآلام خلال الطلاق».
وأكثر لحظة تفخر بها حين أدركت الأهمية القصوى للصحة النفسية. تقول ببلاغة: «إن تعليم أنفسنا وأطفالنا التنظيم الانفعالي مكنني من توجيه ابنتي في تجارب الحياة». وذكرياتها الحزينة عن تقبل دموع ابنتها تكشف عن كل شيء: «السماح لأنفسنا بالتعبير عن مشاعرنا أمر ضروري في القضاء على قمع التعبير عن المشاعر الممتد عبر الأجيال».
كلاريتا امرأة أخرى أبت أن يضعفها الطلاق، ووضعت المستقبل الناجح نصب أعينها وعملت جاهدة للوصول، ووصلت فعلاً. هي لبنانية المنشأ انتقلت إلى الإمارات العربية المتحدة حيث وجدت في قلب دبي المتلألئ أفقاً للأحلام. وبعد أن عاشت تجربة طلاق غيرت حياتها، جمعت قواها للتحرر من التقاليد، واقتحمت عالم الموضة الذي يمثل شغفها. تقول: «كان عليّ أن أبدأ من جديد»، وحصلت على الامتياز التجاري لعلامة Karen Millen في الإمارات ولبنان، وهو المشروع الذي ظل مزدهرًا على مدى عقدين رائعين، ويبرهن كل متجر افتتحته على تصميمها الذي لا يتزعزع.
لكن الحياة عبارة عن مزيج من الانتصارات والتجارب، وفي 2019، حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد تقدمت العلامة البريطانية بطلب لإشهار إفلاسها، وكانت هذه صدمة كبيرة اختبرت روحها التي لا تقهر. تقول: «كانت أكبر صدمة في حياتي». إلا أن هذه المحنة زادت نارها حطبًا فقط، فشرعت في السعي بحثًا عن العلامة المثالية التي تملأ الفراغ الذي تركته Karen Millen.
يمكن تعريف حياتها بعد الطلاق بأنها «استقلال جديد». لقد اعتنقت الحرية، وعملت بلا كلل دون قيود، وكونت علاقات جديدة، وعززت ازدهارها الشخصي. «لقد أتيحت لي الفرصة لاستكشاف اهتمامات جديدة»، هكذا تقول ونظرها متجه نحو عالم زاخر بالإمكانات.
وفي ظل هذه الأحداث، ظلت ابنتها الداعمة الدائمة لها. تقول بصوت ينم عن فخرها كأم بابنتها: «ابنتي هي مصدر قوتي وإلهامي، ومعًا، واجهنا التحديات وبنينا علاقةً متينة». وقد ازدهرت حياتها الخاصة والمهنية على السواء، وتذوقت حلاوة الاعتماد على الذات. وتؤكد وعيناها تشعان ببريق العزيمة والإصرار: «تقبلت الحرية. وكان لدي متسع من الوقت للعمل بجد دونما قيود».
وصار الحفاظ على استقلاليتها وتنمية الرفاهية العاطفية من الفنون التي أتقنتها. وتكشف وعيناها تلمعان بالثقة: «تدربت على العناية بنفسي». تنصح كلاريتا النساء اللواتي يخضن معترك الحياة بعد الطلاق بكلمات مؤثرة وقوية، فتقول: «اسمحي لنفسك بالتعبير عن المشاعر المصاحبة للطلاق، ركّزي على التغير التدريجي، بالاعتماد على المساندة القوية للأسرة والأصدقاء المخلصين، واستفيدي من دعم الأسرة وتشجيع أصدقاء تختارينهم بعناية ليكونوا سنداً لك في مرحلتك الانتقالية». اليوم، بعد سنوات طويلة على طلاقها تتأمل كلاريتا في رحلة نموها وتتطلع إلى مستقبل يلوح أمامها مثل لوحة بيضاء بينما تعيش حاضرها وتنعم بمباهج الحياة البسيطة.
وللوقوف على تداعيات مرحلة الطلاق على النساء كان لنا حديث مع الأخصائية في العلم السلوكي وعلم النفس الإيجابي ومدرّبة العلاقات سوسن غريب طويل. أكدت سوسن أنه في خضم بحث المرأة عن مفتاح الحياة الناجحة في العلاقات أو العمل أو الصحة أو الشؤون المالية، قد يصعب معرفة ما الذي يناسبها حقًا. وفقاً للعلم والدراسات العلمية التي قادها علماء وأخصائيون في مجال العلاقات، العلاقات القوية يمكن أن تجعلنا أسعد وأكثر صحة، بل وقد تطيل أعمارنا! ولكن لا يُكتب الاستمرارية دائماً للعلاقات، فبعضها ينتهي، والطلاق هو أحد أشكال انتهاء علاقة بين شخصين. قد يصعب على النساء تحديدًا التعامل مع الحياة بعد الطلاق. ومع ذلك، يشير العلم السلوكي وعلم النفس الإيجابي إلى أن طريقة تفكيرنا في هذه التحديات أمر بالغ الأهمية. فإذا تعاملنا مع الحياة بعقلية إيجابية، سنرى على الأرجح فرصًا بدلاً من العقبات. ويمكن أن يفتح الجَمع بين هذا التفكير الإيجابي والمرونة – أي القدرة على التعافي وعدم الاستسلام – الباب أمام شتى أنواع الاحتمالات! والمرونة شيء يشبه العضلات التي يمكننا بناؤها على مر السنوات، بحسب ما ذكرته نساء قويات مثل شيريل ساندبيرغ التي مرت بتجربة الطلاق وخرجت منها أقوى. وأفضل ما في الأمر أن لدينا خطوات ملموسة يمكننا أن نخطوها لبناء القدرة على المرونة، حتى قبل أن نواجه أي نوع من المصاعب. لذا، إذا كنت تمرّين بوقت صعب، تذكري أن الأمل موجود دائمًا وأن لديك القدرة على الخروج أقوى إلى الجانب الآخر! فالعقلية الإيجابية تتمتع بوعي واضح وعزم على تحقيق مستقبل ناجح، وترى أمامها إمكانات لا نهائية للازدهار. وعلى حد قول مايا أنجيلو: «إذا اعتزمت المرأة أن تحيا حياة طيبة حقًا، فستحيا بالفعل حياة رائعة، لأن العزيمة جزء من الإنجاز». وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن أقوى علاقة هي تلك التي نقيمها مع أنفسنا. ولدينا دائمًا الخيار في أن نحيا حياة ناجحة، وكما يقول كارل يونغ: «لست نتاجًا لما جرى لي، بل ما اخترت أن أكون عليه».
لكل شيء نهاية، بعضنا يستقيل من عمل أمضى فيه سنوات طويلة، وبعضنا الآخر يخسر صديقاً لسببٍ معين، وبعضنا يصل زواجه إلى طريق مسدود. أياً كان شكل انتهاء العلاقات بين البشر، حريٌ بنا أن نؤمن أن لا عيب في ذلك وأن نبتعد عن إلقاء اللوم على الآخر وعن جلد الذات. كل نهاية ترسم أفقاً لبداية جديدة، وهذا الأفق لا يمكن أن نراه إن كانت عيننا على الماضي.
الموضوع ظهر للمرة الأولى على صفحات عدد أكتوبر 2023 من المجلة