من القاني إلى الأرجواني الداكن الأحمر القرمزي هو لون عام 2024
بعدما تراجع لون باربي الوردي حتى صار ذكرى بعيدة، بسط اللون الأحمر سطوته وأصبح الأحمر القرمزي، من القاني إلى الأرجواني الداكن، هو لون عام 2024
في سبتمبر الماضي، قدّم ساباتو دي سارنو باكورة مجموعاته لعلامة “غوتشي”. وبينما كان يعكف على إعادة ترجمة رموز الدار، برزت مرجعية واحدة، والتي تمثّلت في اللون الأحمر الغامق – الذي يحتفي بلون جدران مصعد الموظفين في فندق “ساڤوي” بلندن حيث عمل غوتشيو غوتشي حاجبًا. وكان لون دي سارنو، الذي أُطلِقَ عليه اسم “أحمر غوتشي”، أبرز سمة للمجموعة، من الشورتات الضيقة القصيرة إلى التنانير الجلدية اللامعة ذات الفتحات العالية وحقائب اليد، بل وحتى دعوات العرض. وعن ذلك يقول محلل الموضة هنان بيسوڤيك، المعروف باسم Ideservecouture على إنستغرام: “أعتقدُ أن اللون الأحمر آخذ في الانتشار نظرًا لاستخدام “غوتشي” المكثّف له على سبيل المثال”، مضيفًا: “شُوهِد ذلك اللون في كل مكان، ويبدو أنه لون الموسم. كما أنه من الألوان التي لا تفقد رونقها أبدًا”. وفي غضون ذلك، أصبح كاب مزيّنٌ بالورود الحمراء قدمّه عرض “ڤالنتينو” للأزياء الراقية في شهر يناير من هذا العام حديثَ المدينة. ومن ناحية أخرى، غمرت صور كايلي جينر في عرض مجموعة “جاكيموس” لربيع وصيف 2024 تحديثات إنستغرام؛ فبارتداء فستان أحمر قصير بدرابيه وأكتاف مبطّنة بنمط الثمانينيات مع حذاء وحقيبة صغيرة حمراوين، أكدت على جمال اللون الأكثر تأثيرًا في 2024. وبينما يتراجع اللون الوردي لباربي إلى الخلف، يغدو اللون الأحمر بديلًا له.
وطوال قرون، ارتبط اللون الأحمر بالسلطة والثروة والصحة. وإذا ما نظرنا إلى اللوحات القديمة للشخصيات البارزة –مثل هنري الثامن، أو لورينزو دي ميديشي، أو الكاردينال فرناندو نينيو دي غيبارا– نلاحظ أنهم ارتدوا جميعًا اللون الأحمر. وتوضح الدكتورة سارة بندال، الكاتبة ومؤرخة الأزياء والمواد الثقافية والجنسانية: “كان اللون الأحمر دليلاً على السلطة والثروة، ويرجع ذلك في الأساس إلى أن إنتاجه كان أكثر كلفةً. وقبل ظهور الأصباغ الاصطناعية في القرن التاسع عشر، كانت الأصباغ الحمراء تُصنَع من النباتات والحشرات. وكلما كان اللون الناتج أزهى، كان القماش أغلى”. وتضيف أنه كان لونًا شائعًا أيضًا بين رجال الكنيسة الكاثوليكية لأنه كان يُظهِر للعيان تفانيهم الديني ونفوذهم. ومن الناحية الثقافية أيضًا، فإن اللون الأحمر متجذر في المعاني الرمزية – ففي الصين والهند، يرتبط هذا اللون بحسن الحظ والفرح. ورغم أن الأحمر لم يعد يمثّل الثروة أو السلطة، لا يزال لونًا عاطفيًا. وتصرح الدكتورة كارولين ماير، عالمة علم النفس المعرفي ومستشارة أعمال الموضة ومؤلفة كتاب “علم نفس الموضة” قائلةً: “ارتداء الأزياء الحمراء قد يرفع معنويات الناس ويشعرهم بالسعادة ويحسن مزاجهم العام. ووجدت إحدى الدراسات أيضًا أن ارتداء اللون الأحمر يجعل مرتديه يشعر بأنه أكثر جاذبيةً وفتنةً ومرغوبًا أكثر”. وهذا العام، بينما يودع الناس الألوان الهادئة، يعدّ اللون الأحمر أشبه بمزيل مثالي لتلك الألوان – ليلاً ونهارًا.
كما هيمن اللون الأحمر على السجادة الحمراء – وخاصة هذا العام؛ فقد استلمت سارة سنوك جائزة “إيمي” بفستان أحمر صارخ من “ڤيڤيان ويستوود” تميّز بخصر نحيل وتنورة ضخمة؛ بينما حضرت دوا ليبا حفل “جائزة اختيار النقاد” بفستان قرمزي دون حمالات من “برادا”؛ فيما ذهبت هايدي كلوم إلى حفل توزيع جوائز “غولدن غلوب” بفستان قرمزي اللون ومتقن التصميم من “صوفي كوتور”. وفي الحفل الختامي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، اختارت فريدا بينتو فستانًا أحمر بجيوب مزينًا باللمّاع من “أتيليه زهرة”. وقبل ظهور إنستغرام أيضًا، كثيرًا ما أثار هذا اللون ضجةً في حفلات توزيع الجوائز، ولعل خير مثال على ذلك فستان “ڤيرساتشي” الأحمر الذي ارتدته سيندي كروفورد في حفل توزيع جوائز الأوسكار عام 1991. وبفتحة عنقه العميقة التي تأخذ شكل القلب وأشرطته المتقاطعة على الظهر المكشوف، أصبح أحد أشهر إبداعات جياني ڤيرساتشي. وتضيف الدكتورة كارولين: “نظرًا لأن اللون الأحمر ساطع ونابض بالحيوية، فإن الأزياء المخضّبة بهذا اللون تجعل مَن ترتديها مميزةً بين الحشود، وهذا بدوره يعزز من تقديرها لذاتها وشعورها بالأهمية”.
وعلى مستوى الأفلام، كان لهذا اللون أهمية كبيرة – بعدد من أبرز أزياء التمثيل في أفلام هوليود اعتمدت فيها البطلات اللون الأحمر؛ ففي فيلم Dial M for Murder عام 1954، بينما كانت غريس كيلي تتحدث إلى شريكها، كانت ترتدي فستانًا أحمر بدون حمالات على تنورة دائرية منسدلة باتساع عند أطرافها. ويرمز اللون الأحمر إلى شخصيتها التي تصبح أكثر كآبةً مع ازدياد الحبكة تعقيدًا. وعلى صعيد آخر، يروي فستان جوليا روبرتس الأحمر في فيلم Pretty Woman، من تصميم مارلين ڤانس، قصةً منفصلة. وتقول الدكتورة سارة: “أعتقدُ أن فستان جوليا روبرتس يجسّد كل ما يعنيه اللون الأحمر لكثير من الناس في القرنين العشرين والحادي والعشرين – فهو جريء ويعزز الثقة بالنفس، ورومانسي أيضًا”، وتردف: “إنها ترتديه في لحظة حاسمة في الفيلم، حيث تحضر الأوبرا بين الأثرياء وذوي النفوذ، في إشارة إلى أنها تذوب وسط هذا الحشد. كما يدلّ أيضًا على وقوعها في الحب”. ولم يُعرَض هذا الفستان في متحف “ڤيكتوريا وألبرت” عام 2014 وحسب، بل وقام غورام غڤاساليا مؤسّس علامة “ڤيتمان” بتصميم نسخته الخاصة من هذا الفستان ضمن مجموعته لخريف وصيف 2024.
وغڤاساليا ليس المصمم الوحيد الذي تلاعب بهذا اللون؛ فقد اعتمده أيضًا عديدٌ من المصممين بأقمشة ودرجات مختلفة، بدءًا من درجات الأحمر الأساسية الجريئة إلى العناّبي الثري والأحمر الصارخ الغامق، ما يفسح المجال أمام إمكانات لا حصر لها من التعابير الإبداعية. وفي عرض “بالمان”، نأى أوليڤييه روستينغ عن الفخامة الهادئة، وعرض معطفًا أحمر مثيرًا من الجلد اللمّاع مزدانًا بالورود النحتية. وكذلك، في عرض “ريك أوينز”، جاءت السترات الجلدية الحمراء بأكتاف مدببة شبيهة بالكائنات الفضائية، وتميّزت الفساتين ذات اللون الأحمر الدموي بطيّات رائعة. واختتم روبرت وون عرض أزيائه الراقية لموسم الربيع بعارضة تتألق بفستان بصدار باللون الأحمر الغامق ومثبّت بها “مانيكان” يتناغم معها – ما أضاف لمسة من الرعب إلى الأزياء الراقية. وقد وصلت هذه الرسالة أيضًا إلى المصممين العرب، حيث دمج جورج حبيقة اللون الأحمر في عديد من تصاميم الأزياء الراقية – أبرزها فستان سهرة بالأحمر الناري مع قفازات بأربطة، كما اعتمد جورج شقرا اللون الأحمر في إطلالات كاملة وفي لمسات جمالية مثل الأحزمة الأنشوطية والتطريز على فساتين السهرة.
وثمة مقولة شهيرة لديانا ڤريلاند مفادها أن “الأحمر لونٌ كاشف إلى حد كبير – فهو ساطع ولافت. ولا أتصوّر أني سأملّ من اللون الأحمر – فهذا الأمر أشبه بالملل من حبيبكِ”. ولم تكن ڤريلاند مخطئة فيما قالت؛ فجاذبية اللون الأحمر في دنيا الموضة تتجاوز الزمن وتستحضر مشاعر جيّاشة. وشعبيته ليست مجرد نزوة عابرة، بل هي احتفاء بجاذبيته الدائمة وأهميته الرمزية.
تصوير Keir Harris
تنسيق الأزياء Mohammad Hazem Rezq
تصفيف الشعر Kavya Rajpowell
المكياج Mauro D.Hernan
المنتج Sam Allison
العارضة Sonya من وكالة Fashion League