حياتي دايريز تنظم معرض “ليڤيتيت” الذي يكشف إبداعات فنانات عربيات
يكشف معرض “ليڤيتيت” من تنظيم المجموعة الفنية ” حياتي دايريز ” عن أعمال فنية رائعة من إبداع مجموعة من الفنانات العربيات
بدافع الرغبة العميقة في إعادة الصلة بجذورهما الثقافية وتمكين النساء المبدعات من العالم العربي، أسست اللبنانية كريستينا شقير والمصرية كنزي دياب، المقيمتان في لندن، المجموعة الفنية «حياتي دايريز». وتسعى «حياتي دايريز»، وهي من بنات أفكار الشابتين كنزي دياب وكريستينا شقير، إلى تسليط الضوء على القصص الفريدة للفنانات العربيات، وتحدي التصورات السائدة حول الثقافة الفنية والجنسانية في العالم العربي.
وكانت خلفيتهما في عالم الإبداع – كريستينا في الفن وكنزي في الإنتاج – هي التي أججت شغفهما في رفع الأصوات الفنية للنساء العربيات. وبعدما لاحظتا صعوبة العثور على شخصيات مشابهة لهما حين بحثتا عن الإلهام في النساء من نفس عمرهما وخلفيتيهما، قررت المؤسستان اتخاذ زمام المبادرة والتركيز على عرض أعمال الفنانات المعاصرات من العالم العربي. توضح كريستينا: «أحسسنا برغبة قوية في ابتكار شيء يمكنه تعزيز الأصوات الفنية للنساء اللواتي يشبهننا، ولديهن نفس تاريخنا، ويروين قصصًا تمر دون أن يلاحظها غالبًا أحد في الثقافة الغربية السائدة». وتضيف: «مع أن ثقافتينا اللبنانية والمصرية كانتا الشرارة الأولى للإلهام، فإن الحوار الدائم والتواصل مع الفنانات هما اللذان يشكلان مسارنا باستمرار». وتقول كنزي: «قبل أن نؤسس ’حياتي دايريز‘، لاحظنا أن هذا لم يكن بسبب نقص المواهب أو الإنتاج الإبداعي بل لانعدام التمثيل في سياقنا الغربي».
ويعد بناء المجتمع جوهر رسالة «حياتي دايريز». وتذكر كنزي لحظة مهمة عاشتها أثناء عشاء مع فنانات بعد إقامة أول معرض لهن بعنوان، «بعيونهن» Through Their Eyes، قائلةً: «بينما كنا نجلس حول المائدة، نضحك ونروي القصص عن الفروق الدقيقة كنساء عربيات، ونناقش أوجه التشابه بين آبائنا العرب، ونفكر في التجارب التي نخوضها في عالم بعيد عن الوطن، أدركت الأهمية البالغة للحس والدعم المجتمعي».
ويختلف أسلوب مؤسستي المجموعة في الاختيار حسب الرؤية والرسالة اللتين ترغبان في إيصالهما. فمعرضهما الذي يقام في شهر يونيو بعنوان «ليڤيتيت» يستكشف الخيال والفانتازيا من منظور خمس فنانات. ومع أن هؤلاء الفنانات يستخدمن مختلف الأساليب والوسائط، يجمعهن محور الموضوع في إطار مهمة مشتركة، ألا وهي: إثارة مشاعر الدهشة لدى الزوار وتشجيعهم على تجاوز المألوف. تقول كريستينا: «نحن أيضًا ننجذب تلقائيًا إلى الفنانات اللواتي يعتمدن أساليب غير تقليدية في الأسلوب البصري أو عملية الصناعة الفنية أو اختيار الموضوع. فأعمالهن مفعمة بالابتكار والتجدد والشباب، حتى لو كن مختلفات».
وتقول كريستينا: «وُلد معرض ’ليڤيتيت‘ من إدراكنا لهذا الأسى الجماعي، مع رغبتنا في منح زوارنا الفرصة للاستمتاع بشيء من الراحة الذهنية – لحظة استثنائية للانفصال عن العالم والتقاط الأنفاس خلال هذا كله». ويستعرض هذا المعرض قدرة الفن على إحداث التغيير باعتباره أداة للانفصال مؤقتًا عن العالم، بموضوعات تتمحور حول الفانتازيا والخيال. ويرمز اسمه «ليڤيتيت» (أي: يحلق في الهواء) إلى التوازن الدقيق – حيث التعلّق فوق الأرض مباشرةً دون فقدان الاتصال بالواقع.
إنهما تدركان التحديات التي قد تواجههما في رحلتهما نحو تحقيق رؤيتهما وتحويلها إلى واقع، وخصوصًا عند الترويج للفنانات العربيات، لا سيّما أن بعض الموضوعات قد يُنظَر إليها على أنها مثيرة للجدل أو حساسة من الناحية الثقافية، ما يحد من الحرية الفنية. تقول كنزي: «رغم إدراكنا لأهمية الحساسية الثقافية، فقد تخطّى الفن الحدود على مر التاريخ؛ فالهدف منه الدعوة إلى التفكير وتحدي التقاليد».
وبينما تسعى «حياتي دايريز» إلى الارتقاء بمستوى معارضها المستمرة وتوسيع نطاق انتشارها داخل لندن من خلال المشروعات التعاونية والمعارض الإبداعية، تنصبّ رؤيتها على التوسع خارج لندن لإرساء وجودها على الصعيد العالمي، وخاصة في العالم العربي. تقول كنزي: «نرجو أن نستمر في عرض فنانات جدد لديهن رؤى جديدة وأساليب فريدة، بهدف تعريف الجمهور بإبداع الشابات من المنطقة». وتضيف كريستينا: «تحمل هذه القصص في طياتها قوة كبيرة، ولها تأثير هائل أيضًا، ونعتقد أن الفن يتحدث عن نفسه بطرق عديدة».
وفي نصيحتها للفنانات، تقول كنزي: «عليك كفنانة ألا تخشي المخاطرة الإبداعية، وأعطي الأولوية للصدق والأصالة على حساب السعي لتحقيق الكمال».
بيبا القاضي براون
تستكشف بيبا القاضي براون، الرسامة العراقية البريطانية المقيمة في لندن، الحوار الملغز بين المحيط الأسري والوعي والنفس البشرية. وتقف بيبا، التي تهتم بالمشهد الأسري، مبهورة أمام الطريقة التي يعيش بها البشر، ويملؤون الفراغ (الفراغات) الجسدي والنفسي. وبوحي من الفوضى الرائعة التي عاشتها في منزل طفولتها، تستقي بيبا لوحاتها التي تصور العوالم الداخلية إلهامها من مزيج من الذكريات والخيال والإحساس. تقول: «إن منزل طفولتي هو مصدر إلهامي، حيث يقبع الإلهام في كل زاوية وكل ركن، في الماضي والحاضر والمستقبل.»
وتراثها يعزز أعمالها الفنية من خلال مشهد منزل الأسرة. تقول: «كان منزلنا وسيظل دائمًا مركزًا نابضًا بالحيوية والنشاط، ومتحفًا حيًا لقلوبنا وأرواحنا»، وتردف: «من الروائح المنبعثة من المطبخ إلى الليالي التي كنا نتجمع فيها حول والدي للاستماع إلى ذكرياته عن بغداد. إن هذا المحيط الغالي يلهمني بقوة المشهد الأسري، حيث يحكي كل ركن قصة الروابط الدائمة بين العائلة والتاريخ والتراث».
ممرات خفية، وأشباح شخصيات، ونباتات منزلية مرهفة الحس، وآفاق شاسعة حيث تلتقي ألواح الأرضية بالسماء. كلها صور رمزية من أعمالها في «ليڤيتيت». تقول: «لوحاتي المعروضة لا يشغلها أناس بحد ذاتهم، بل هذه الأرواح المنزلية المخيفة». سيناريوهات تمثل على نحو مرح أنشودة لأوبرا الحياة المنزلية.
نور عمار
تستكشف الفنانة المصرية نور عمار موضوعي الحركة والشك من خلال الفن التجريدي، وهي بذلك تحث على تأمل المشاعر الإنسانية ومسارات الحياة. وقد قادتها رحلتها الفنية إلى الانتقال من تورونتو إلى ميلانو، بينما تمتد جذورها إلى مصر. ويعكس عملها الفني الحركة المستمرة في حياتها. تقول: «حركة العواطف، وحركات المكان، وحركات الرسم. ويمكن لتقلبات العواطف أن تغير أو تدفع بجوانب معينة من اللوحة». ويخضع عملها للتغيير المستمر، «تمامًا كاعتقادي بأننا نتغير باستمرار ونكتشف الجوانب التي يجب أن نمضي بها قدمًا من أنفسنا والجوانب التي يجب أن نتركها وراءنا». وعن الإبداع بالفطرة، تقول: «كنت أسعى دائمًا إلى تحقيق التوازن بين التعمد والتلقائية في عملي، وهذا أمر مهم للرسامين «التجريديين» تحديدًا، حيث يعتمد إبداع القطع الفنية على الفطرة وليس على مرجع محدد». وفي معرض «ليڤيتيت»، تناولت نور لوحتين. تقول: «اخترت تسمية هذين العملين «Amidst» و«Loop» لفهم مراحلهما على نحو أفضل. وعندما أكون وسط لوحة ومراحلها، يعد ذلك عاملاً مهمًا في طريقة عملي. وينطوي ذلك على دخول حالة مختلفة من الوجود، حالة تقضي على المفاهيم السابقة أو الحدود الجمالية وتبدع بحرية. وتمثل لي كلمة «Loop» أي حلقة أشياء كثيرة. إنها استمرار لعمل أو تكرار في اللوحة أو أبحاث وتجارب لا تنتهي. وفي أحيان كثيرة، تمثل أيضًا الحاجة إلى التخلص من التكرار وتجربة أساليب مختلفة للرسم».
مريم الدشراوي
وُلدت مريم الدشراوي في تونس، وهي رسامة تعلمت بنفسها الرسم. ومنحتها دراستها للعمارة وسينما الرسوم المتحركة منظورًا فريدًا للوحاتها. تقول: «كان للسينما والعمارة دور في تجربتي الفنية الأولى، وأعتقد أنهما ما تزالان تؤثران على استكشافاتي البصرية حتى اليوم. وأحب التفكير في السرديات، وأحيانًا أروي قصة قصيرة مستوحاة من الحكايات ثم أتخيل المشاهد التي يقوم فيها الفضاء بدور مهم، لا سيما التلاعب بالمنظور والعناصر المكشوفة جزئيًا – مثل غرف مخفية أو درج مظلم يؤدي إلى مكان لا يعلمه أحد». وساهمت دراستها للعمارة في زيادة وعيها بتاريخ المدن العربية والشمال أفريقية وعلاقتها بهويتنا. كما تفكر في العلاقة الحالية بالأرض، نظرًا لظهور مدن جديدة تعكس التحديات الاقتصادية والتأثير العميق للعولمة على مجتمعاتنا وهوياتنا الفردية. وعملها في تونس يعني رؤية نمو الساحة الفنية المحلية بظهور الكثير من الفنانين الجدد. «ما أحبه في تونس هو مدى ترابط مجتمع الفنانين، فهو مكان حافل بالمشاركة والإبداع، وأعتقد أنه ملهم للغاية لظهور المزيد من الحركات الخارجة عن الأعراف السائدة أو البديلة». وفي اللوحات الثلاث التي تعرضها، تستكشف الفنانة موضوعات التراث والمناظر الطبيعية دائمة التغير. تقول: «أستمد إلهامي الفني من المنمنمات الإسلامية والمطبوعات اليابانية لهوكوساي، والتي يشغل فيها المنظور التقليدي مكانة ثانوية. ومن ثم تتكشف عناصر مختلفة عموديًا عبر اللوحة، تطمس بين الخطوط في المقدمة والخلفية».
زين المجالي
تركز الفنانة الأردنية الفلسطينية زين المجالي على تأثير ثقافة الإنترنت على الجغرافيا السياسية وديناميكيات المجتمع، مازجةً بين العناصر البشرية والميكانيكية في أعمالها. وبعد دراستها للهندسة وتحليل البيانات، اتجهت زين إلى الفنون. ووجدت نفسها منشغلة بصورة متزايدة بطاقة عمّان، راغبة في تحليل كل ما تجده من عبث بكل زاوية فيها. تقول: «كان الفن المساحة الوحيدة التي سمحت لي بالتعمق في ذلك، لقد كان تحولاً جوهريًا». ويظهر في أعمال زين موضوع مشترك ألا وهو انهيار المعنى، سواء على شبكة الإنترنت أو خارجها، «بدءًا من عمّان، في أكشاك سوق الجمعة حيث توجد تيشيرتات أمريكية مستعملة تحمل صور فتيات يتصارعن في الوحل بفلوريدا – وهو ما يتناقض تمامًا مع السوق المحافظة. لقد تحول اهتمامي بالتدريج إلى العمل من خلال تناقضات مماثلة نواجهها عبر الإنترنت»، كما توضح زين، مضيفة: «بالنظر إلى كيفية عمل الإنترنت ومدى سرعة «مزرعة المحتوى» في إنتاج الصور المجازية، فمن الصعب تتبع كل ذلك، خاصة خلال هذه الفترة المحمومة والمفعمة بالمشاعر». وتضيف: «تعتمد طريقة عملي على جمع المحتوى وأرشفته، ثم تقديمه في سياق جديد بتجميعه في مقاطع فيديو أو مقاطع صوتية، وأحيانًا أضيف محتواي الأصلي. وتثيرني هذه الرغبة في حل الصعوبات التي أقع فيها، مثل تحليل معنى أن تكون على قيد الحياة في مثل هذا الزمن المضطرب». وفي معرض «ليڤيتيت»، اختارت تقديم Fed، وهو مصباح أنيق ولامع من المعدن المصبوب. تقول: «استخدمت أدوات الذكاء الاصطناعي لتوليد الصور، وغذيتها بالكلمات لتساعدني في عملية التصميم. ويركز هذا المعرض على التلاعب بالأفكار، لذا أنا في غاية الامتنان لأنه قدم لي مساحة أستكشف فيها شيئًا جديدًا وأرى إلى أين سيأخذني».
رايا قسيسية
تستخدم رايا قسيسية المنسوجات لابتكار أشكال منحوتة تستكشف التراث وتتحدى فلسفات الجسم وتمزج بين العناصر الدقيقة والمهيمنة. ويشكل تراثها الفلسطيني ونشأتها في عمّان بالأردن عنصرين أساسيين في السرديات التي تجد نفسها منغمسة داخلها في ممارساتها الفنية. وتتساءل أعمالها عن السرديات الراسخة والأعراف المجتمعية وفلسفات الجسم، بالجمع بين الرقة والمرونة. وعن ذلك تقول: «يمثل عملي حوارًا نشطًا يستكشف التوترات بين أصولي العرقية والقومية والسرديات التاريخية ككل». وتعكس جميع أعمالها الجوانب المتعددة لتجاربها، وتحض المشاهدين على التفاعل بعمق مع موضوعات الهوية والنزوح والصمود.
وكان تحولها من المنسوجات إلى الفولاذ نقلة مهمة في مسيرتها. وتصف الفنانة العمل بالفولاذ بأنه «عرض سري»، يتطلب حرارة وجهدًا بدنيًا لتشكيل هذه المادة. وقد أطلقت هذه الطريقة الصعبة العنان لنجاحات وفرص إبداعية جديدة. كما عمّق الطرقُ على الصفائح لإحالتها إلى ورود حوارَها مع الخامات، وأكد على متانتها وطول عمرها.
وتعرض رايا في «ليڤيتيت» عملين يركزان على المعدن. ويعد التمثال بعنوان «سأسعى إلى الأبد لمعرفة حقيقة السبب في قدرتي على الرؤية أكثر مما أقابله» جزءًا من سلسلة كرستها لجدتها، كلوديت. وهو يتحدى الأنوثة التقليدية بالقوة والبهاء. وتتميز السلسلة الجدارية «بورتريهات ذاتية لآخر» بلوحات نحاس مطبوعة بالأشعة فوق البنفسجية، وتستكشف الازدواجية والموضوعات النسوية، بالاستلهام من الفنانات النسويات السابقات اللواتي استخدمن الآلات لإعادة تصور صور البورتريه الذاتية.